الرئيسية > اخبار وتقارير > كيف حولت إيران "طريق الحرير" إلى بوابة قتل عابرة للدول؟

كيف حولت إيران "طريق الحرير" إلى بوابة قتل عابرة للدول؟

أن تكون المياه الإقليمية للصومال منفذاً لتهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين، في مخالفة صريحة لقرارات مجلس الأمن، لا يعدو أن يكون امتداداً لرغبة إيران في إنشاء قواعد عسكرية لها في سوريا واليمن، الأمر الذي ينسجم مع مخططاتها لبسط نفوذها في المنطقة.

لكن ثمة جديداً في القصة، فالطريق السري الذي تسلكه الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى اليمن هو أحد الفروع المعروفة لطريق الحرير التاريخي.

وطريق الحرير هو مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن، وتمر عبر جنوبي آسيا رابطةً الصين بتركيا، بالإضافة إلى مواقع أخرى، ويمتد تأثيرها حتى كوريا واليابان.

ولعب الطريق تأثيراً كبيراً على ازدهار حركة التجارة، والتواصل بين الحضارات القديمة مثل الصينية والحضارة المصرية والهندية والرومانية، حتى إنها أرست قواعد التجارة في العصر الحديث.

ويمتد طريق الحرير من المراكز التجارية في شمالي الصين، منقسماً إلى فرعين شمالي وجنوبي، حيث يمر الفرع الشمالي من منطقة بلغار-كيبتشاك وعبر شرقي أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً إلى البندقية. أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين والعراق والأناضول وسوريا عبر تدمر وأنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.

وأكد محققون دوليون، الثلاثاء 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، في تقرير لهم، وجود خط بحري لتهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين في اليمن عبر إرسالها أولاً إلى الصومال.

التقرير الدولي، الذي أعدته مؤسسة "أبحاث تسلح النزاعات"، ونشرته الأربعاء 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، يؤكد تورط إيران في تهريب الأسلحة، ودعم مليشيات الحوثي، ما يحوّلها، في نظر المجتمع الدولي، شريكاً فاعلاً في دعم الانقلابيين باليمن، في مخالفة صريحة لقرارات مجلس الأمن، بشأن حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية لـ"علي عبد الله صالح ونجله أحمد وعبد الملك الحوثي وعبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم (أبو علي الحاكم)، والأطراف كافة التي تعمل لصالحهم أو تنفيذاً لتعليماتهم في اليمن"، وذلك، بحسب القرار، يشمل أنصار الحوثيين والجنود الموالين لصالح.

التفتيش الذي خضعت له السفن المحمّلة بالأسلحة الإيرانية المهربة جاء وفق قرارات مجلس الأمن، الذي طالب "الدول المجاورة بتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن في حال ورود اشتباه في وجود أسلحة فيها".

وشاركت في عمليات التفتيش البحرية، فرقاطة فرنسية وسفينة حربية أسترالية، في الفترة بين فبراير/شباط ومارس/آذار الماضي، حيث تم ضبط أسلحة إيرانية مهربة على متن سفن الداو الشراعية التقليدية، لتدحض إنكار إيران بعد اتهامات أمريكية-سعودية لها بتهريب الأسلحة للحوثيين.

تنوّع الأسلحة المكتشفة، بينها رشاشات كلاشينكوف و100 قاذفة صواريخ إيرانية الصنع، و64 بندقية قناص من طراز هوشدار-إم، وألفا رشاش تحمل علامة "صناعة إيرانية"، وتسعة صواريخ موجهة مضادة للدروع من طراز كورنيت روسية الصنع، أكد حجم الدور الذي تلعبه إيران بدعمها لانقلابيي اليمن.

وعثر قادة إماراتيون في اليمن على صاروخ كورنيت يحمل رقماً متسلسلاً ينتمي إلى أرقام الصواريخ التسعة نفسها المصادَرة، ما يؤكد تورط إيران في تدمير اليمن، ونزع الشرعية وتدهور الحالة الإنسانية وارتفاع نسبة الفقر والأوبئة.

الأسلحة التي اكتشفتها السفن الحربية الأجنبية، فضلاً عن الاتهامات الأمريكية لإيران بتهريب الأسلحة للحوثيين، تجيز، حسبما نصت قرارات مجلس الأمن، لجميع الدول اتخاذ التدابير اللازمة لمنع القيام، بشكل مباشر أو غير مباشر، بتوريد أو بيع أو نقل الأسلحة، وذلك انطلاقاً من أراضيها أو بواسطة مواطنيها أو باستخدام سفن أو طائرات تحمل علمها، خاصةً أن حظر السلاح يشمل الذخائر والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار والمساعدات التقنية والتدريب والمساعدات المالية وكل ما يتصل بالأنشطة العسكرية أو توفير أي أسلحة أو توفير أفراد مرتزقة مسلحين سواء كان مصدرهم أراضيها أم لا. بل ويحق للدول، لا سيما الدول المجاورة لليمن، تفتيش جميع البضائع المتجهة إلى اليمن والقادمة منه إذا توافرت معلومات باعتقاد أن البضائع تحمل أصنافاً يحظر توريدها.

وفي السياق، فإن استخدام إيران المياه الإقليمية للصومال في تهريب أسلحتها للحوثيين، يدفعنا إلى التساؤل عن علاقة المتمردين والتنظيمات المرتبطة بـ"القاعدة" في الصومال وأعضاء الحوثيين، خاصةً مع "فارس مناع" عضو حكومة الحوثيين التي تشكلت قبل يومين، ولم يعترف بها المجتمع الدولي.

كما أن الاعتداء على المياه الإقليمية للصومال يدفعها لاتخاذ ما يلزم لحماية حدودها وتفتيش كل ما تشتبه في مروره، استناداً للقوانين والمواثيق الدولية التي تكفل لها الحماية اللازمة لذلك.

مؤسسة "أبحاث التسلح في الصراعات" أشارت إلى أنه "منذ عام 2012، تورطت قوارب المنصور الإيرانية في حالات تهريب عديدة للهيروين والحشيش، ومؤخراً الأسلحة"، مضيفةً أن تحليل الأسلحة يشير إلى أن "قاربين على الأقل من الشحنات الثلاث ربما أُرسلا بتواطؤ من قوات الأمن الإيرانية".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، تحدثت أنباء عن انتحال "فارس مناع" شخصية مزورة، تمكّن خلالها من السفر إلى البرازيل في شهر يناير/كانون الثاني 2015، حيث قام بزيارة ثاني أكبر شركة سلاح في أمريكا الجنوبية بالبرازيل، وعقد عدة لقاءات مع مسؤولي الشركة، وأشارت تقارير حول هذا الأمر إلى أن "الشركة البرازيلية فشلت في مساعدته باستصدار جواز سفر مزور من جيبوتي، ليتمكنوا بعد ذلك من الحصول على جواز باسم وتاريخ ميلاد مختلفين، بالتعاون مع جهة أخرى لم تسمها التقارير".

وهذه الشركة تجاوزت الخطوط الحمراء لقرارات مجلس الأمن، حيث تعاملت مع مناع وبحثت معه في إمكانية توريد شحنات أسلحة، ومساعدته في الوصول إلى البرازيل بشكل سري لجلب السلاح، وفق ما ذكره موقع "يمن مونيتور"، 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الذي أكد أيضاً، وبحسب وثائق بالمحكمة البرازيلية، مناع استطاع نقل دفعات من تلك الشحنات إلى الأراضي اليمنية بموجب عقد بينه وبين الشركة البرازيلية.

وفي أول رد فعل للإمارات على الكشف عن الطريق البحري الذي تستخدمه إيران لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر المياه الإقليمية للصومال، دعت أبوظبي مجلس الأمن إلى اتخاذ التدابير اللازمة، لمطالبة طهران بالامتثال للقرارات ذات الصلة بمسألة حظر توريد وتصدير الأسلحة، مؤكدةً أن هذا التصرف "يشكل انتهاكاً صارخاً لقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقمي 2216 (2015) و2231 (2015)".

وأكدت الإمارات أن شحنات الأسلحة الإيرانية "دليل آخر على السياسة الإيرانية التوسعية والمزعزِعة للاستقرار في اليمن والرامية إلى تأجيج الصراع وتعريض حياة المدنيين في اليمن والدول المجاورة له للخطر"، مجددةً موقفها باعتبار أن شحنات الأسلحة الإيرانية تسهم في تقويض جهد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والهادف للتوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء النزاع.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)