الرئيسية > شؤون دولية > عُقدة المشكلة اليمنية.. الحاجة للحل قبل ولوج "ترامب" البيت الأبيض

عُقدة المشكلة اليمنية.. الحاجة للحل قبل ولوج "ترامب" البيت الأبيض

سيغادر باراك أوباما البيت الأبيض في أواخر يناير/ كانون الثاني الحالي, وسيتقلد "دونالد ترامب" الرئيس المنتخب سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم, الذي يعيش أشد تعقيداته وتداخل ملفاته كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية.
 
يملك "ترامب" خبرة سياسية ضعيفة، لذلك تتجه الأنظار نحو كبار مساعديه ومستشاريه القوميين والعسكريين والسياسيين, حول توجهاتهم ناحية الصراعات الدامية في الشرق الأوسط، وبعد عرض مهيب لترامب خلال الحملات الانتخابية بتركيز جهوده ناحية الداخل الأمريكي, بدلاً من الخارج لا يبدو أن ترامب سيبتعد كثيراً عن دائرة الشرق الأوسط وصراعها؛ لأنها ببساطة مصدر استقرار داخلي أمريكي بوجود عدو خارجي (تحتاجه) لبقائها مهيمنة ومسيطرة وتنجز مهامها في خدمة مواطنيها.
 
بحسب مجلة The American Conservative فإن ما يوحد المستشارين للرئيس الجديد هو العداء لإيران واعتبار السعوديين حلفاءهم في مواجهة التمدد الإيراني, ولذلك ستتجه الأنظار إلى اليمن كاختبار كاشف لسياسة ترامب في العالم العربي, حسب ما تعتقد مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية أيضاً.
 
وبما أن السعودية قد قادت التحالف ضد التمدد الإيراني المفترض في اليمن, فإن الولايات المتحدة ستقف مع المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، كما تقول "ذا أمريكان كونزرفتف" السياسية المحافظة، وتعتقد أنه حتى إذا رأى ترامب أن دعم عمليات التحالف في اليمن صفقة سيئة، إلا إن أياً من في دائرة ترامب لن ترى على هذا النحو.
 
 
عُقدة المشكلة اليمنية
يقر المعلقون السياسيون الأمريكيون بالمشكلة اليمنية كأعقد مشكلات الشرق الأوسط، فهي ترتبط بكم أكبر من الملفات التي تشمل سوريا والعراق وارتباطهما بالسياسة الإيرانية، وبمكافحة الإرهاب، كما أنها تبدأ بالتشكل لتكون ضمن أزمة بين واشنطن وموسكو، لذلك يعتقد بعض أولئك المحللين- ومنهم عرب- إلى أن ما يحدد مضامين الأزمة اليمنية معركتين الأولى تجري في حلب السورية والثانية تجري في الموصل العراقية في فترة زمنية تسبق وصول ترامب إلى البيت الأبيض (25 يناير/كانون الثاني).
 
تسعى موسكو لحسم معركة حلب لصالح النظام السوري، وكان لها ذلك, فيما تسعى إيران لتحقيق خرق حقيقي في معركة الموصل, حيث جندت كل قوتها ورجالها من أجل حسمها قبل هذا الموعد.. وفي حال حدث ذلك فالملف اليمني سيكون أمام مرمى بصر روسيا وإيران لقياس ردة الفعل الأمريكية تجاه قضايا المنطقة وتجاه ملفاتها الدولية، فموسكو وطهران لا تريدان دراسة ردة فعل سياسة الرئيس الجديد في ملفين محوريين يتعلقان بمصالحهما الاستراتيجية، فيما اليمن تعد بيئة مكتملة الأركان لقياس ردة الفعل الأمريكية تجاه حلفائها التقليديين, وأيضاً بمصالح أمريكا الاستراتيجية بتهديد الممرات الدولية.
 
يعتقد طلعت رميح, وهو خبير سياسي استراتيجي أن تغير سياسة ترامب وكذلك تحرير "الموصل" و"حلب" كلاهما متغيرات محسوم حدوثها، ولا يجب انتظار جريانها, فيما اليمن لم تحسم قضيته بعد, وبعدهما سيكون الجانب الإيراني -بكل تحالفاته- في وضع الباحث عن تحرك يوظف فيه فائض قوته ما بعد حسم أخطر معاركه، ولذا صرنا نسمع اسم اليمن ويتردد في تصريحات الحشد الطائفي, هذا التغيير سيحمل عنوان اندفاعة جديدة للحلف الروسي الإيراني، باتجاه الملفات التي لم تحسم بعد في الإقليم، وأهمها الملف اليمنى.
 
التعاون مع حلف روسيا وإيران
في تحليل للباحث في مؤسسة جيمس تاون مايكل هورتون، اطلع عليه "مُسند للأنباء" يفكك جزئياً نظرة ترامب إلى اليمن، معتقداً أن "الحرب الأهلية في اليمن التي تنخرط فيها الولايات المتحدة بشكل واضح، ستكون اختبارا كاشفا لإدارة ترامب القادمة، فالاتفاق الذي توصل إليه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري مع المسؤولين العمانيين لوقف إطلاق النار (في اليمن) لم يستمر أكثر من المدة التي استمر بها الاتفاق الذي سبقه، والحرب في اليمن ستستمر – على الأقل بمستوى منخفض – بعد تولي ترامب السلطة".
 
ركز ترامب خلال حملته الانتخابية على قتال السلفيين مبيناً أنه سيعمل مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سوريا لمواجهة تنظيم (داعش)، لكن هورتون يعتقد أنه ومع ذلك الرئيس المنتخب يؤكد أن اتفاق إيران النووي يعد من أسوأ الصفقات التفاوضية أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يقود إلى الاعتقاد بأن إدارة ترامب ستستمع للمحافظين الجدد، الذين كانت سياساتهم، مثل غزو العراق، التي لم تقد إلا لتقوية إيران. وفي حال بدأ المحافظون الجدد، مثل جون بولتون (مرشح ترامب للخارجية)، بالتأثير على الرئيس المنتخب، فسيكون التركيز دحر التأثير الإيراني في المنطقة والذي سيكون على الأرجح على حساب محاربة السلفية المتشددة. وهو مايعني طلب المساعدة –على الأرجح- من تنظيمات محلية تحارب السلفية وهي الميليشيات التي شكلتها طهران.
 
لكنه في حال أوسع فإن فشل روسيا في سوريا يعني التفافها على الملف اليمني لممارسة ضغوط على المملكة العربية السعودية وقطر اللتين تدعمان الثوار السوريين، ولن تجد ملفاً ملهماً يؤثر في السعودية مثل الملف اليمني، وهنا موضع قد يحول تركيبة التحالفات في اليمن ويجعل الحوثيين الذين شكلوا حكومة جديدة لوضع الأمريكيين أمام أمر واقع في موضع شبه اعتراف روسي إن وجدت البيئة والزمان الملائمين وذلك يتعلق بالسعودية.
 
الاعتراف بالنفوذ الإيراني
جيرالد م. فايرستاين السفير الأمريكي السابق في اليمن ورئيس وحدة الخليج في معهد الشرق الأوسط, تحدث في مقال حول توصياته للإدارة الجديدة فيما يتعلق بالخليج العربي تابعه "مُسند للأانباء" بأن السياسة الأميركية أصبحت ذات المسارين، القائمة على الدعم الهادئ للتحالف الذي تقوده السعودية في الوقت نفسه الذي تدعم فيه جهد الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للصراع، أصبحت هذه السياسة تحت ضغط متواصل بينما يتواصل الصراع، وترتفع الخسائر في صفوف المدنيين، ومع ابتلاء الحملة العسكرية السعودية بالفشل المأساوي وانعدام الكفاءة.
 
وبالرغم من الضغوط، فإن حساسية المخاوف الأمنية المشروعة للسعودية هي أمر أساسي. كمل يقول فايرستاين ويجب على الولايات المتحدة أن تعترف بأن وجود موطئ قدم إيراني في جنوب شبه الجزيرة العربية على حدود السعودية هو "خط أحمر" لا يمكن توقع أن يقبل به السعوديون. وليس احترام المصالح السعودية، وتأكيد دعم جهود الأمم المتحدة لحل الحرب الأهلية، أمرين متعارضين ففي الحقيقة، كما يشير فايرستاين، ربما يسهم موقف أميركي محدد بوضوح وداعم للسعوديين في خلق مواقف أكثر واقعية من جهة الأطراف المعنية على مائدة المفاوضات، ويعزز موقف المبعوث الخاص للأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
 
يحتاج الاعتراف بالنفوذ الإيراني في اليمن الكثير من الولايات المتحدة لتقديمه منها نتائج التحقيقات حول شحنات السلاح الإيرانية, التي احتجزتها في بحر العرب وكانت في طريقها إلى الحوثيين، كما يجب عليها الاعتراف بالتقرير الذي قدمه مركز أبحاث تسلح في النزاعات الذي يتبع الاتحاد الأوروبي، وبهذا الاعتراف عندها يمكن الحديث عن موقف أمريكي مساند للسعودية في اليمن قد يلقي بضلاله على دور أكبر من أجل انتهاء الحرب التي تعصف بالبلاد.
 
لكن الانتظار لسياسة أمريكية "مرتبكة" فيها خطر أكبر على أمن شبه الجزيرة العربية، فيعني التسليم بخارطة كيري التي تشير إلى تفكيك الحكومة الشرعية مقابل الاعتراف بشرعية "الانقلاب"، كما أن المخاطرة بوضع إيران وروسيا لثقلهما في اليمن إذا لم يتم الحسم سريعاً في اليمن يعد مخاطرة أكبر على الملف اليمني.
 
الحسم العسكري
لم يبق أمام التحالف العربي والحكومة اليمنية إلا سرعة الحسم العسكري في البلاد دون إبطاء، فتجربة خارطة كيري وتشكيل الحوثيين لحكومة في صنعاء كافيتين للتأكد من أن حلاً سياسياً سيكون هباءً، والانتظار إلى مابعد وصول ترامب لن يكون مستفيداً منه إلا إيران وحدها وستزيد الضغوط على دول الخليج للتنازل في الملفات الأخرى لصالح إيران.
 
إلحاح لا يحمل أية إيحاءات بأن ما مضى من جهود كان بطيئاً، كما يقول طلعت رميح، لكن عامل الوقت لن يكون في صالح تحقيق الحسم إن تأخر، وتحقيق الحسم فيما بعد تحقق التغييرات الإقليمية والدولية المؤكد وقوعها، سيتطلب كلفة بشرية ومالية أكثر.. وفي الأقل سيتطلب إحداث تغييرات في معادلات المنظومة الداخلية, التي هي بالكاد في طور الاكتمال، قد يصعب إصابة النجاح في إنجازها, لا يجب الانتظار، فالوضع الإقليمي والدولي سيشهدان تغييرات وضغوطاً أشد تعقيداً باتجاه جعل الملف اليمني موضع مساومات وتقسيم المصالح والنفوذ، بعد تغير خارطة المواقف والمواقع في الفترة القادمة.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)