الرئيسية > اخبار وتقارير > تمدد التشيّع يرفع تحذيرات تحول البوسنة والهرسك لـ "لبنان جديدة"

تمدد التشيّع يرفع تحذيرات تحول البوسنة والهرسك لـ "لبنان جديدة"

ظهر على السطح في الآونة الأخيرة، وبقوة، الوجود الشيعي في البوسنة والهرسك، لأول مرة في تاريخ البلد، الذي يعرف بتجانس مكونه المسلم السني، الأمر الذي ذهب إلى حد إطلاق نخب بوسنية بارزة تحذيرات من أن يجر المشهد الحالي البلاد إلى حرب أهلية، على المدى المتوسط.

وقد تمكن الإيرانيون من غرس التشيع في البلاد منذ بدايات حرب البوسنة، التي امتدت من عام 1992 إلى 1995، مستغلين حاجة الشعب البوسني إلى الدعم المادي والعسكري، لمواجهة الإبادة التي كانوا يتعرضون لها.

وبعد الحرب، لجأ الإيرانيون، ومن تشيع معهم من البوسنيين، إلى تسويق قصص "بطولات" المقاتلين الشيعة، من إيران وحزب الله اللبناني في البوسنة، في وقت تدور العديد من الشكوك حول حقيقة دورهم هناك في ذلك وقت.

كما عمد الإيرانيون إلى ممارسة أساليبهم التقليدية؛ من قبيل استخدام حاجة الفقراء، وتوزيع المنح للدراسة في إيران، وإنشاء المراكز "الثقافية" والمدارس، والقنوات التلفزيونية والمجلات، بل وحتى الفرق الغنائية الدينية، فضلاً عن التشجيع على الزواج من البوسنيين والبوسنيات، وتشييعهم أو تشييع أبنائهم.

وإن كان عدد الشيعة في البوسنة لا يزال غير محدد بشكل رسمي، فإن الموقع الرسمي لـ"مركز الأبحاث العقائدية" التابع للمرجع الشيعي العراقي، علي السيستاني، قدر أعدادهم بـ"عشرات الآلاف".

وبعيداً عن تقديرات أعدادهم، أو المبالغات التي تنتشر عن نفوذهم وإمكاناتهم، فإن المتشيعين البوسنيين قد بدؤوا مؤخراً المجاهرة بالمطالبة بإنشاء مؤسسة دينية خاصة بهم، سوى تلك التي يجتمع المسلمون في البوسنة تحت مظلتها، والمعروفة باسم "الجماعة الإسلامية"، ويرأسها رئيس العلماء الحالي، حسين كافازوفيتش، بالإضافة إلى الدعوة لإنشاء مساجد خاصة بهم.

يعد ذلك حصيلة لعمل طويل ودؤوب، سري وعلني، من قبل المؤسسات المدعومة من طهران، على مدى العقدين الماضيين، خصوصاً من خلال مدرستي "جولستان" الابتدائية، و"الكلية الفارسية البوسنية" الثانوية، اللتين تنظمان رحلات دورية للمئات من الأطفال والشباب البوسنيين إلى إيران، وتمنحهم فرصاً للدراسة الجامعية هناك.

كما استطاع الشيعة استقطاب المئات من البوسنيين، وخصوصاً النساء، من خلال مجلتي "زهرا" الأسبوعية، وفرقة "كوثر" الغنائية الدينية، التي تلقى رواجاً كبيراً في البلاد، بالإضافة إلى قناة "إيريب"، الإيرانية بنسختها البوسنية.

ويتصدر الساحة الشيعية في البوسنة اليوم مؤسسة "ملا صدر"، التي يديرها حالياً "أكبر عيدي"، الذي يطلق على نفسه لقب "بروفيسور دكتور" في البوسنة، في حين أشارت إليه وكالة "صوت العراق" الشيعية بـ"آية الله الشيخ أكبر عيدي، ممثل الإمام الخامنئي في دول البلقان"، وذلك في خبر عن "إحياء عاشوراء"، في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

- موقف الحكومة والنخبة السياسية والدينية البوسنية

وفي سبيل استيضاح موقف الحكومة والنخب السياسية والدينية في البوسنة والهرسك، أجرى "الخليج أونلاين" حواراً مع الناشط البوسني في مواجهة التشيع علاء الدين كوستورا، الذي اتهم حكومة بلاده والأحزاب التي تمثل المسلمين، بالإضافة إلى رئاسة "الجماعة الإسلامية"، بالتقصير في الحد من النفوذ الإيراني-الشيعي.

وقال: "في الوقت الذي كانت تغلق فيه المؤسسات العربية ويرحل موظفوها، بضغوط من الولايات المتحدة، في فترة ما بعد الحرب، بحجة الإرهاب، كان الإيرانيون يتقاطرون على البلاد، ويحصلون على تصاريح إنشاء المؤسسات والمدارس".

وأضاف: "صحيح أن البوسنة رفعت التأشيرة عن عدد من الدول الخليجية، وفتحت المجال لاستثمارات هائلة في البلاد، في الآونة الأخيرة، إلا أن ذلك لم يلمس حياة البوسنيين بشكل مباشر، في المقابل، يقوم الشيعة باستغلال حاجة الشباب إلى العمل، حيث تسجل البطالة في أوساطهم نسباً خيالية، تصل في بعض تقديراتها إلى 50 بالمئة، وحاجتهم إلى التعليم والصحة، وغيرها من القطاعات الأساسية، التي توفرها مراكز شيعية تنتشر في أغلب المدن البوسنة، ومنها الصغيرة والنائية".

ولفت كوستورا إلى مثال يختزل مشهد النفوذ الشيعي في بلاده، حيث كشفت صحيفة بوسنية عام 2014، عن تأسيس مركز شيعي في بلدة "لييشيفا" الصغيرة، التابعة لمنطقة "إلياش"، شمال العاصمة سراييفو، يؤمه قرابة 300 شيعي، أي قرابة 3% من مجموع المسلمين في المنطقة، وهو ما أكد كوستورا أنه تضاعف منذ ذلك الحين.

وأشار "كوستورا" في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن القيادات البوسنية لم تتوقف عن زيارة إيران، حتى الفترة الأخيرة، التي شهدت ارتكاب طهران جرائم بحق السنة في سوريا والعراق، أبرزها زيارة رئيس مجلس القوميات (الشيوخ) بالبرلمان البوسني، صفوت سوفتيتش، إلى طهران، في 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وزيارة رئيس العلماء، حسين كافازوفيتش، إلى العاصمة الإيرانية، في يونيو/حزيران 2015، فضلاً عن العشرات من الزيارات المتبادلة على مختلف المستويات.

وطالب الناشط البوسني بأن يمارس العرب والمسلمون ضغوطاً حقيقية على النخبة السياسية والدينية في بلاده، وأن تتم تلبية احتياجات الشعب البوسني وملء الفراغ، قبل أن تتحول إلى "لبنان جديدة"، بوصفه.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)