الرئيسية > اخبار وتقارير > المرابطات.. حصن المسجد الأقصى وجنوده

المرابطات.. حصن المسجد الأقصى وجنوده

بصوت واحد تنطلق ألسنتهن بهتاف "بالروح بالدم نفيدك يا أقصى"، وبهمّة عالية ودون تردد يُلبين نداء الأقصى عند الحاجة، ويقمن بواجب الدفاع عنه وحمايته في أحلك الأوقات، فينتشرن في باحاته كأنهن جنوده وخط الدفاع الأول عن ثالث الحرمين الشريفين.

إنهن "مرابطات الأقصى"، اللواتي يشكّلن درعاً منيعة لحمايته، والتصدّي بعزيمة الرجال لكل المحاولات الإسرائيلية للسيطرة عليه أو تدنيسه من قبل المستوطنين، فتجدهن كقوة الجنود ينتشرن في باحاته، وتعلو أصوات هتاف "الله أكبر.. الله أكبر" لتصدح بالأقصى وتعلن النفير العام ببدء معركة البقاء والجهاد مع المحتل.

فخلال السنوات الأخيرة كان لهن الدور الأبرز في صد هجمات المستوطنين وإحباط محاولات التسلل والسرقة داخل الأقصى، رغم السياسة القاسية التي تتبعها سلطات الاحتلال معهن؛ من تهديد، وضرب، واعتقال، وغرامات مالية، وإبعاد قسري عن الأقصى.

- الدرع الأولى

فعند أي اقتحام للأقصى أو اعتداء من قبل المستوطنين أو الشرطة الإسرائيلية، تجد المرابطات يتصدّرن مشهد الدفاع عن الأقصى، فتكون المرابطة أول من يفديه بالدم والجسد والروح، بعدما فدته بوقتها ومالها وعملها ومنزلها، فتراها تصدح بالتكبيرات بكل ما أوتيت من قوة في وجه المستوطنين وجنود الاحتلال، يومياً، في أروقة الحرم القدسي الشريف، وفي أزقّة القدس القديمة عندما تحتدم المواجهات.

أم طارق الهشلمون، إحدى أبرز المدافعات الفلسطينيات عن المسجد الأقصى المبارك، وتعرّضت في كثير من الأحيان للاعتداء والضرب وإصدار عدة قرارات بإبعادها قسراً عن دخول الأقصى، والإقامة الجبرية في منزلها، من قبل سلطات الاحتلال؛ بسبب دورها في حماية الأقصى والدفاع عنه.

فتقول لمراسل "الخليج أونلاين": "مرابطات الأقصى هن خط الدفاع الأول عن المسجد المبارك مع حراس الأقصى، وهذا الدور نقوم به منذ سنوات طويلة، ونحاول بكل جهد وقوة وعزيمة نملكها التصدي للاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه والدفاع عن الأقصى بكل ما نملك".

وتضيف المرابطة الهشلمون: "المرابطات دائماً ما يتصدرن المشهد في الدفاع عن الأقصى، والعشرات منهن تعرّضن للضرب والسحل والإهانة والإبعاد من قبل سلطات الاحتلال؛ بسبب الدور الكبير الذي نؤديه في حماية الأقصى والتصدي للمستوطنين المتطرّفين، ولكننا لن نملّ أو نكلّ، وسنبقى ندافع عنه حتى آخر نفس نملكه".

وتشير إلى أن الاحتلال صعّد خلال الأشهر الأخيرة من اعتداءاته وعدوانه على المرابطات، حتى وصل الأمر إلى الضرب المباشر والقاسي، والتهديد بالقتل لكل مرابطة تحاول صد أي اقتحام للأقصى، أو حتى تقترب من مستوطن متطرف في ساحات المسجد أو على أبوابه.

وذكرت الهشلمون أن "مرابطات الأقصى" لهن دور كبير في الدفاع عن المسجد المبارك، رغم كل التهديدات الإسرائيلية بحقهن، وما نقوم به برفقة عشرات المرابطات جهاد ومقاومة للمحتل الإسرائيلي الغاصب، وبصوتنا وقوتنا نهز أركان المعتدي.

إلى الأقصى كان قلب المقدسية أم محمد بكيرة يرحل كل يوم، فهي من إحدى المرابطات اللواتي صمدن في وجه المحتل، وتعرّضن للاعتداء والسحل في المسجد الأقصى من قبل أحد جنود الاحتلال أمام أعين الكاميرات، قبل أيام، خلال تصديها لمحاولة مجموعة من المستوطنين اقتحامه، تؤكد أن دور المرابطات يقلق إسرائيل والمستوطنين كثيراً.

وتقول لمراسل "الخليج أونلاين": "قلبي معلّق بالأقصى دائماً، وعندما نعلم بوجود خرق أمني واقتحام مستوطنين أو شرطة إسرائيلية للمسجد الأقصى نسرع جميعنا على قلب رجل واحد نحو المعتدين، ونقف أمامهم كدرع منيعة نحمل في أيدينا كتاب الله، ونردد بصوت واحد: الله أكبر.. الله أكبر، بالروح والدم نفديك يا أقصى، حتى تجد المقتحمين يتراجعون في بعض الأحيان، وأحياناً أخرى يستنجدون بالشرطة الإسرائيلية لحمايتهم من أصواتنا".

وتضيف: "المرابطات أحبطن خلال الفترة الأخيرة عشرات محاولات تدنيس الأقصى، أو سرقة محتوياته، أو القيام بصلوات تلمودية في باحاته من قبل المستوطنين المتطرفين، ورغم كل الصعوبات والعقبات التي تفرضها سلطات الاحتلال علينا سنبقى خطاً منيعاً يدافع عن أقصانا في وقت تركه الجميع".

وشكّلت المرابطات علامة فارقة في "انتفاضة القدس"، وبِتنَ رمزاً للصمود في وجه الاحتلال ومستوطنيه، حتى استنهضت مشاهد اعتقالهن وضربهن وسحلهن همة الشعب الفلسطيني للانتفاض والدفاع عن مقدساتهم، التي أسهم تكالب الأحداث على الساحة المحلية والإقليمية في تغييبها عن أذهانهم.

- جنود الأقصى

والمرابطات هن سيدات يقصدن الساحات المظللة لقبّة الصخرة، بعد منع قوات الاحتلال الرجال الذين تقل أعمارهم عن أربعين عاماً من الصلاة في المسجد لفترات محددة، فاضطلعت النسوة بهذه المهمة، واخترن مواجهة شرطة الاحتلال الصهيوني والرباط في الأقصى حماية له.

وتعتقل شرطة الاحتلال المرابطات بتهمة التكبير وهن في محيط المسجد الأقصى كلما أقدمن على ذلك لمرور فوج سياحي أو مجموعة من اليهود المتطرفين، مبررة هذا الإجراء بأنه يقع تحت طائلة بند "منع الوصول إلى مكان مقدس"، وهو قانون يهودي خاص بأماكن إقامة الشعائر الصهيونية، الأمر الذي دعا لاعتبار هذه الحادثة سابقة خطيرة، بظاهر قانوني، وباطن يراد به تهويد المسجد الأقصى، أو بالأحرى الاستيلاء عليه.

الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى المبارك، أشاد بالدور "الكبير" الذي تؤديه المرابطات في الدفاع عن المسجد الأقصى، مؤكداً أنهن "جنود الأقصى" في الدفاع عنه وحمايته.

وقال صبري لـ "الخليج أونلاين": "للمرابطات مكانة عظيمة وقوية في المسجد الأقصى، فهن خط الدفاع القوي في وجه الاحتلال ومستوطنيه، وكان لهن دور كبير في إحباط العشرات من محاولات التسلل للأقصى وسرقة محتوياه وتدنيسه، فهن يؤدين نداء الأقصى بشكل فوري وقت الحاجة".

ولفت إلى أن هناك العشرات من المرابطات توكل لهن مهام محددة للقيام بها داخل المسجد الأقصى؛ من حراسة، وتنظيف، والإشراف على بعض الأقسام الهامة داخل المسجد ومصاطب العلم، ورغم كل تلك المهام فإنك تجدهن في الصفوف الأولى لصد المحتل.

من ناحتيها، أكدت الكاتبة السياسية، لمى خاطر، أن المرأة الفلسطينية أثبتت نفسها بجدارة في الرباط بالمسجد الأقصى، وفي التفاعل الكبير مع مشروع مصاطب العلم في ساحاته، مشيرة إلى أن دورها مهم وحيوي، حيث يعدّ عامل تحريك لهمم الرجال والشباب.

وتقول خاطر: إن "القدس كانت على الداوم ثقل الصراع الحقيقي ومركز انبعاث الطاقة لمواجهة الاحتلال الصهيوني"، منوهة بأن "رمزيتها لن تتأثر مهما اجتهد الاحتلال في عزلها وتغييبها عن ذاكرة الأجيال المتتالية".

المرابطات يؤمنَّ بأن الرباط في المسجد الأقصى جزءٌ من دور المرأة الفلسطينية في الجهاد ضد الاحتلال؛ حيث إنهن يتركن أعمالهن وأولادهن وأزواجهن لفداء الأقصى، والوقوف سداً منيعاً أمام تدنيسه أو التفرد به، كما تعبّر ظاهرة المرابطات عن حالة الوعي التي يعيشها المجتمع الفلسطيني لما يخطط الاحتلال لفعله بالمسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة، بحسب خاطر.

ولجأ أهالي مدينة القدس والداخل المحتل إلى إقامة مشروع مصاطب العلم، حيث أصبح المسجد الأقصى قبلةً للحجيج من عدد من مدن الداخل المحتل، ورغم أن مكانة الأقصى الكبيرة في قلوب الفلسطينيات كانت الملهم الأول لفكرة الرباط، فإنها تعزّزت عقب افتتاح مصاطب العلم، التي استقطبت الكثير من النساء والرجال لتلقي دروس العلم وتعلم وحفظ القرآن داخل باحات المسجد المبارك.