الرئيسية > اخبار وتقارير > منصة "الأمم المتحدة" الـ72.. صبّ للزيت على نيران الأزمات المشتعلة

منصة "الأمم المتحدة" الـ72.. صبّ للزيت على نيران الأزمات المشتعلة

ابتسامات وقبلات ومصافحات ودّية كانت ظاهر اللقاءات التي جمعت قادة العالم في نيويورك خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الثانية والسبعين، لكن باطن المشهد حمل الكثير من التناقضات، والتي تُرجمت تهديداً ووعيداً واتهاماً من على منصة المنظمة الدولية.

هذه المنصة التي أُوجدت بغرض حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، وإيجاد مجتمع دولي على أساس احترام القانون، وتحييد كل ما له علاقة بالأعمال العدائية، إلا أن واقع الحال الذي وصلت إليه الأمم المتحدة اليوم جعل منها منبراً للتصعيد، وفرصة للكثيرين من أجل صب الزيت على نيران الأزمات المشتعلة.

- ترامب يخالف المواثيق

أزمات كان على المُجتمعين نقاشها في إطار العديد من القضايا ذات الاهتمام الدولي ومحاولة تقريب وجهات النظر تجاهها، لكن الخطاب الانفعالي خيّم على الأجواء، وتحوّل بصعود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى المنصة لأول مرة منذ توليه الرئاسة، إلى خطاب تهديد وإعلان حرب مبطّن.

فالأزمة السورية وأزمة كوريا الشمالية المتصاعدة، ومحاولات التنصّل من الاتفاق النووي مع إيران، الذي وصفه ترامب بأنه (أسوأ اتفاق دخلت فيه أمريكا)، قابلها بألفاظ رآها البعض خارجة عن النص؛ كـ "المجرمين"، و"المارقين"، متوعّداً بيونغ يانغ بالتدمير الكامل.

ترامب خالف بذلك، وفق تقرير لصحيفة أمريكية، المادة الثانية من مواثيق الأمم المتحدة، التي تنصّ على أن الدول "تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد بلد آخر، باستثناء قرارات مجلس الأمن".

الرئيس الأمريكي، الذي ألقى كلمته الأولى أمام الجمعية العامة، أثلج -بحسب مراقبين- بمواقفه واستراتيجية بلاده القادمة، صدر الحليف الإسرائيلي، الذي يقلقه وضع إيران الحالي، إلى جانب عدة دول في الشرق الأوسط كانت وفودها سعيدة بمضمون خطاب ترامب؛ والأمر هنا متعلق بمحور جديد تحدث عنه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مؤخراً، واصفاً إياه بمحور الاعتدال العربي.

تهديد ترامب بنسف جهود الدبلوماسية الدولية ردّ عليه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عندما أشار إلى أن إلغاء الاتفاق سيحرق المنطقة بالكامل، كما أن الموقف الإيراني من تصريحات الرئيس الأمريكي المتواترة يبقى مرهوناً بالخطوات الفعلية التي يمكن للرجل اتخاذها، إذ سبق أن حذّرت طهران من أن الرد سيكون قاسياً وحاسماً، وطالب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ترامب بالاعتذار للشعب الإيراني بعد كلمته.

- حل سياسي في سوريا

وفيما يتعلق بالأزمة السورية، التي فرضت نفسها بقوة على اجتماعات الجمعية العامة، زعم ترامب أنه لا يريد التصعيد في سوريا للوصول إلى حل سياسي، واصفاً رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ "المجرم"؛ لأنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.

إلا أن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كان أكثر وضوحاً حين حمّل في كلمته المجتمع الدولي مسؤولية الأوضاع في سوريا؛ نتيجة وقوفه "عاجزاً "عن إيجاد حل جذري للأزمة التي طال أمدها بسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية وتعثّر الجهود السياسية.

- حصار قطر

إلى جانب الأزمة الكورية التي شغلت المجتمعين، وملفّ الاتفاق النووي مع إيران، والحل السياسي في سوريا، حضرت الأزمة الخليجية بقوة من خلال دعوات لوضعها على طريق الحوار والحل السلمي، وكانت لافتة كلمة أمير قطر، التي دافع فيها عن حق بلاده الطبيعي بعلاقات متوازنة مع دول الجوار، بعيداً عن محاولات الإخضاع والوصاية الشاملة، مصنّفاً الحصار على أنه "عمل إرهابي ممنهج".

أمير قطر أوضح حقيقة ما تتعرّض له بلاده من انتهاكات بسبب الحصار المفروض عليها من قبل بعض الدول، وعلى رأسها السعودية والإمارات.

وتشير المعطيات إلى أن الموقف القطري لم يتبدّل منذ بداية الأزمة، وواجهته كلمات الدول المحاصرة بمزيد من التعنّت الذي عزّز صبغة التهديد والابتعاد عن المنطق السياسي في جلسات الدورة الحالية للجمعية العامة.

- حضور خجول لفلسطين

وكما في كل عام، حضرت فلسطين، برأي متابعين، بخجل في أروقة المحفل الدولي، لا سيما العرب منهم، فالحلول مجمّدة بفعل انشغال الأنظمة العربية بتصفية حساباتها فيما بينها.

وبعيداً عن التطبيع غير المشروط الذي دعا له السيسي مع الإسرائيليين، وإدانته للمواطن الفلسطيني وتعاطفه مع المواطن الإسرائيلي، حمّلت الدوحة تل أبيب تأزّم الوضع في فلسطين المحتلة، مناشدة الفلسطينيين تفعيل خطوات المصالحة الوطنية.

كما أن الحديث عن القضية الفلسطينية بدا مجتزءاً كالعادة؛ إذ إن حل الدولتين عبارة رددها الجميع دون توضيح مسار الحل، أو حتى وضعه على طريق صحيح، بعيداً عن تعنّت الكيان واستمرار الاستيطان وانتهاك حرمات المسلمين في القدس المحتلة.

- مسلمو الروهينغا.. عجز واضح

كما أن الحرب الكلامية من على منصة الجمعية العامة، والتي أشعلها ترامب، جعلت من القضايا الملحّة حدثاً ثانوياً لا يرتقي إلى هول المصيبة، والحديث هنا عن معاناة مسلمي الروهينغا في ميانمار، الذين تجاهلهم الرئيس الأمريكي في خطابه، والذين يتعرّضون للإبادة الجماعية وسط صمت دولي.

فالمجتمعون اكتفوا ببيانات الإدانة والدعوات لوقف أعمال القتل، منشغلين باستعراض عضلات القوة وتوزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، ما يعكس مجدداً عجزاً واضحاً لدى المجتمع الدولي عن التحرّك في اتجاه أي حلول فعلية، خصوصاً أن أزمة ميانمار ليست وليدة ساعات، إنما هي نتاج سنوات من الاضطهاد والقتل والتشريد.

وبعيداً عن الخلافات والتفكّك الواضح للمنظّمة الدولية، فإن قادة العالم، كما جرت العادة خلال السنوات الماضية، اتفقوا على أمر واحد خلال مداخلاتهم؛ حيث تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن استراتيجية جديدة لمواجهة الإرهاب، كما أجمعت كلمات المشاركين على ضرورة التصدّي بحزم للإرهاب، والعمل المشترك من أجل تجفيف منابع تمويل ودعم التنظيمات الإرهابية.

لكن يبقى هذا التوحّد اللفظي فيما يتعلق بملف الإرهاب غير كافٍ لإنقاذ مستقبل الأمم المتحدة، التي عكست دورة جمعيتها العامة الحالية حجم التهديدات التي تواجهها على مستوى العمل الدولي المشترك.

بالتأكيد لا يمكن إلقاء اللوم على المنظمة بهيكليتها، لكن تحوّلها إلى حلبة مصارعة بين الدول الكبرى من جهة، وتغلغل البيروقراطية بداخلها كما أشار أمينها العام من جهة ثانية، بالإضافة إلى عدم احترام الكثيرين لميثاقها وأهدافها يضع العمل الجماعي الدولي على المحك.