يمر اليمن بمرحلة مفصليّة من إعادة رسم حدود الحرب والحوار، التي شهدت تطورات ميدانية واسعة مؤخراً، تزامناً مع دخول سلطنة عمان على خشبة المسرح السياسي لتكتب سيناريو جديد في الرياض، قد يكون له الدور بعودة الشرعية اليمنية.
وعلى الرغم من عدم وضوح جهود وساطة عُمان رسمياً لإنهاء أتون حرب مستعرة على الحدود اليمنية السعودية، إلا أن إعلان الحكومة اليمنية رسمياً ولأول مرة موافقتها على حضور مفاوضات مباشرة مع الحوثيين بشأن تنفيذ القرار الأممي رقم 2216، يُشير إلى جهود السلطنة التي سيكون لها تحولات مصيرية في مستقبل الصراع.
وتتميز السياسة الخارجية في سلطنة عمان بالحيادية على المستوى الدولي، إذ غالباً ما يكون موقفها من الأحداث الخارجية رافضاً للانحياز لأي طرف في الصراعات، وكان أبرزها عدم مشاركتها عسكرياً في التحالف العربي بقيادة السعودية ضد انقلاب الحوثيين في اليمن.
ويرى مراقبون أن عُمان في الوقت الحالي تتعامل مع متغيرات المنطقة وفقاً لاستراتيجيات ثلاث؛ هي الاستفادة من مكانتها طرفاً محايداً لتصبح الجسر الرئيس بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع طهران، إلى جانب تكثيف التعاون الأمني مع الغرب.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، ذكرت مصادر خليجية أن سلطنة عمان تعتزم الإعلان عن مبادرة تقود إلى حل سلمي للأزمة اليمنية، وتجري حالياً (آنذاك) مشاورات عدة مع دول الخليج العربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، لبلورة الموقف من مبادرتها.
وتتضمن المبادرة العمانية انسحاب الحوثيين وقوات المخلوع علي صالح من جميع المدن، وإلزامهما بإعادة العتاد العسكري للجيش اليمني، وعودة السلطة الشرعية إلى اليمن برئاسة عبد ربه منصور هادي، والمسارعة بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت.
كما تشمل المبادرة التوافق على حكومة جديدة تضم جميع أطياف الشعب اليمني وأحزابه، وأن تتحول جماعة الحوثي إلى حزب سياسي يشارك في الحياة السياسية بطرق شرعية.
ويرى محللون أن مسقط تملك الكثير من الأوراق التي تؤهلها لدور الوساطة النزيه، ففضلاً عن علاقاتها المتميزة مع السعودية ودول الخليج الأخرى، فإنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، خاصة أن مسقط عملت على استضافة جملة من اللقاءات السرية والمُعلنة بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين على مدار عامين، لغرض التحضير للتفاوض لإيجاد حل للملف النووي.
تطورات متلاحقة
سياسياً، فشل الحوثيون بعد تجاهل كل التحذيرات الدولية من التمدّد نحو المحافظات الجنوبيّة والسيطرة على باب المندب، ممّا رفع عنهم أيّ غطاء دعم دوليّ، كما أن المليشيا لا تحظى بأي دعم شعبي خارج صنعاء، وفق سكان يمنيون.
أما عسكرياً، فيبرز بوضوح خلال الأسابيع الأخيرة تغير الموازين على الأرض لمصلحة القوات الموالية للحكومة، بعد التدخل العسكري الميداني المباشر لقوات سعودية وإماراتية.
ويمكن القول إن حكومة هادي الموجود في الرياض، استعادت موطئ قدم لها في اليمن بعد طرد الحوثيين من عدن، التي بات يوجد فيها عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين.
وفي خضم ما كان يجري من محادثات سرية عُمانية مع الأطراف المتنازعة، يبدو أن السعودية تحاول إعادة الشرعية عبر ترويض الحوثيين أيضاً، وجاء ذلك من خلال تصريح بارز لوزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، قبل أسابيع، بالقول: "إن الحوثيين جزء من الشعب اليمني، ولهم دور يلعبونه في مستقبل اليمن".