تقديم الإنسان استقالته من الحياة، بطريقة تصدم مشاعر العامة من المجتمع قبل المحيطين به، من الأخبار المؤسفة التي تتنامى في بلادنا، وتُعد ظاهرة مشتركة في وقتنا الحاضر بين شعوب العالم على مختلف ثقافاتهم ودياناتهم، وهي من السلوكيات والأفعال التي تحرمها كافة الأديان السماوية .. الانتحار كظاهرة للفرار من الواقع والناتج عن شلل بوصلة التفكير يحصد المئات من الأرواح سنوياً في اليمن وبحسب مركز الإعلام الأمني بلغ عدد المنتحرين في النصف الأول من العام 2014م (142) شخصاً وإصابة اثنين آخرين أرادا الانتحار.
بينما بلغ عدد هذه المأساة لعامي 2012ـ 2013م (504) حالات انتحار ذكور وإناث ولفئات عمرية مختلفة.. وأشار تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ، بأن اليمن تحتل المرتبة الرابعة على مستوى الدول العربية في ظاهرة الانتحار.. وذكر التقرير أن أكثر من (800) ألف شخص ينتحرون سنوياً بمعدل شخص كل 40 ثانية.
مضيفاً أن منظمة الصحة العالمية ترغب في تقليل معدلات الانتحار بواقع 10 في المائة بحلول عام 2020م، بعد التزام الدول الأعضاء في المنظمة بخطة عمل منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية.. وانتقدت المنظمة التغطية الإعلامية لحوادث انتحار المشاهير بشكل مكثف لأن ذلك يقدم الانتحار بمثابة حل للهروب من المشاكل التي يعاني منها الشخص مما يشجع الفئات الضعيفة على الإقدام على الانتحار .
وأوضحت منظمة الصحة العالمية بأنه يوجد ضعف في إتاحة البيانات الخاصة بالانتحار حيث لا يوجد سوى (60) دولة فقط من دول الأعضاء لديها بيانات جيدة عن تسجيل الأحوال المدنية يمكن استخدامها مباشرة لتقدير معدلات الانتحار ومشكلة ضعف البيانات تأتي نظراً لحساسية ظاهرة السلوك الانتحاري وعدم شرعيته في بعض البلدان، ولذلك من المرجح أن يكون ضعف الإبلاغ وسوء التصنيف بالنسبة للانتحار أكبر منه بكثير مع سائر أسباب الوفيات الأخرى.
المؤشرات والأرقام لنسبة الانتحار في بلادنا قد تكون أكبر مما هو مذكور في الإحصائيات الرسمية، نتيجة التستر والتردد لكثير من الأسر والعائلات وعدم إبلاغهم للحالات الانتحارية وذلك بسبب ثقافة العيب والفضيحة.. وتتفق آراء المحللين النفسيين بخصوص أسباب ظاهرة الانتحار والتي تنقسم إلى نوعين الأول منها ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان وفي هذه الحالة المرضية تختلط عدد من الأحاسيس كالانعزال واليأس والاكتئاب تتراكم على إثرها مضاعفات الآلام الشعورية التي تؤدي إلى الانتحار في حال عدم استشارة طبيب نفسي يقوم بمعالجة هذا المرض خاصة أن كل إنسان بحاجة لطبيب نفسي وليس من العيب والخجل التردد عليه .. والنوع الآخر يرجع إلى عدة عوامل مثل الوضع الاقتصادي، والتربية، وضعف الوازع الديني، والثقافة المجتمعية، والمشاكل الأسرية، والفشل الدراسي والعملي، وكذلك الإيمان بفكرة تجنب العار في مجتمعنا العربي.
منوهين أيضاً أن التأثر الشديد للثقافات الدخيلة التي تعود للانفتاح الإعلامي عبر ما تبثه القنوات الفضائية أو مواقع الانترنت عبر طرح الأفكار والموضوعات التي تعزز هذه الظاهرة لا سيما عند محدودي الثقافة وصغار السن .
وأشاروا إلى ضرورة تبني الجهات المختصة دراسات بحثية تشخص دوافع وأسباب الانتحار في بلادنا من أجل وضع الحلول والمعالجات المناسبة .. داعين خطباء المساجد وفقهاء الدين إلى تنبيه المجتمع بصورة مستمرة بخطورة الانتحار وأثره على كافة الجوانب، وبث روح الأمل بين الشباب وإبعادهم عن الكراهية التي لها آثار نفسية في تحويل السلوك إلى العدوانية والصراع النفسي، كما أن عليهم تعزيز قيم وحب العيش والتعايش التي تهذب النفس وتعمل على الاطمئنان.. نشطاء اجتماعيون يحثون جهات الاختصاص ومنظمات المجتمع المدني بالعمل على دورات توعوية في المدارس والجامعات وأماكن التجمعات السكانية تحذر من خطورة وتداعيات ظاهرة الانتحار.. أرقام مفزعة تتنامى في اليمن بين صراع اليأس والأمل تبحث عن حلول حقيقية واهتمام لمكافحة ومنع ظاهرة الانتحار، التي تُعد الآن مسئولية تضامنية تتطلب تظافر الجهود من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المختلفة للتغلب على هذه الثقافة الدخيلة على المجتمع اليمني.

الانتحار ظاهرة مقلقة بدأت تنمو بشكل لافت لأسباب يرجعها الباحثون إلى عوامل نفسية واقتصادية
لماذا يفرون إلى الموت؟!

(مندب برس - الجمهورية نت)