اليمن في حاجة لعمليات إغاثة عاجلة، للأماكن المنكوبة، لتوفير الغذاء الرئيسي لنحو 26 مليون نسمة، بات أكثر من 80% منهم في عوز للمساعدات الإنسانية.
يأتي ذلك بعد عامين من الحرب الدائرة بالوكالة، والتي يشهد رحاها اليمنيون وحدهم، علاوة على الهجرة الداخلية من المناطق التي تشهد صراعًا بين القوات الحوثية مدعومة بقوات علي عبدالله صالح من جهة، والجهة الأخرى تمثل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا والمقيمة في عدن الساحلية.
هذا، وقد أسهم تسييس عمل البنك المركزي في خلق فوضى مالية، زادت حدتها بعد أن اتخذت الحكومة الشرعية قرارًا في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، بنقل مقر البنك المركزي اليمني إلى العاصمة المؤقتة بمدينة عدن الساحلية جنوبي البلاد، ليصبح المشهد أكثر تعقيدًا بأن أوجد هذا القرار مركزين للسلطة أحدهما في صنعاء والآخر في عدن، ومن ثم وجود بنكين مركزيين باليمن، بعد رفض وإبقاء الحوثيين على البنك المركزي بالعاصمة صنعاء.
غير أن هذا القرار لاقى ترحيبًا خليجيًا ووعودًا بدعمه ماليًا، وهو ما يثير تساؤلًا رئيسيًا مفاده؛ هل ستحافظ الأموال الخليجية على مساندة الاقتصاد اليمني المتداعي جراء الحرب؟ وكيف ستحول دون انفجار الوضع باليمن؟
حقيقة الوضع الاقتصادي اليمني
أسهمت الحرب الدائرة في اليمن، علاوة على تمكن الجماعات المسلحة الحوثية مدعومة بقوات الرئيس السابق صالح، في إحداث حالة من السخط الشعبي لإيجاد طريقها إلى صنعاء والسيطرة التدريجية على كل مؤسسات الدولة بما فيها البنك الركزي اليمني الذي ظل محافظًا على اليمن من الانجراف إلى الهاوية على مدار الأعوام الماضية.
وبالأخص بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء نهاية العام 2014 حتى اتخاذ قرار بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء، إلى العاصمة، المؤقتة، عدن وخلال هذه الفترة تعرض الاقتصاد اليمني لهزات عدة أهمها:
القضاء على حيادية المؤسسات المالية
كان القضاء على حياد المؤسسات المالية، البنك المركزي، الهدف الأول للجماعة الحوثية، فبعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، سعت الجماعة لتعيين أعضاء لها بالمركزي اليمني والضغط على محافظ البنك المركزي من أجل تنفيذ سياستها.
وبعد حفاظ المركزي اليمني على حياده واستقلاله في ظل الأزمة اليمنية وصرفه لرواتب الموظفين على السواء، المواليين للحوثيين أو لحكومة عبدربه منصور هادي، كذلك تأمين الواردات الأساسية من السلع الغذائية والدواء.
استطاعت جماعة الحوثي توجيه سياسات البنك المركزي والتدخل في عمله، وقد ارتكب الحوثيون تجاوزات عدة عقب تدخلهم في السياسة الخاصة بالبنك المركزي، واتخاذ إجراءات منها؛ تحرير أسعار المشتقات النفطية والسماح للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية، مما ضعاف من أسعارها وارتفاع تكاليف النقل، ومن ثم أسعار السلع الرئيسية.
وأيضًا الاستحواذ على الإيرادات العامة للصناديق والوحدات الإيرادية، وعلى ضرائب الشركات والاتصالات المشغلة للهواتف المحمولة.
في نهاية المطاف استطاع الحوثيون السيطرة الكاملة على موارد البنك المركزي اليمني، وصرف نحو 25 مليار ريال يمني، شهريًا، لتمويل ما يسمونه بالجهود الحربية لصالح ممثلي اللجنة الثورية الحوثية وحرمان الآلاف من موظفي الدولة من رواتبهم الأساسية، بل واعتبار البنك المركزي ظهيرهم المالي، لتمويل أهدافهم واستخدام الرواتب وسيلة مالية لابتزاز موظفي الحكومة والعسكريين داخل مناطق سيطرتهم لضمان ولائهم.
وتوجه الحوثيون لبيع أصول المؤسسة الاقتصادية بعد تجفيفهم موارد البنك المركزي المالية.
ضغوط السوق السوداء
أسهم التدخل غير المحمود للجماعة الحوثية في عمل المركزي اليمني في هبوط سعر صرف العملة اليمنية مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، فبعد أن كان سعر الريال اليمني أقل من 200 ريال لكل دولار، وبضغط من السوق السوداء.
قام البنك المركزي برفع سعر صرف الدولار في منتصف 2016 من 215 ريالا إلى 250 ريالا، في محاولة للسيطرة على السوق السوداء، وكان لقرار تحرير أسعار المشتقات النفطية تكلفة عالية، وارتفعت قيمة الدولار مقابل الريال لزيادة الطلب عليه من قبل القطاع الخاص بعد إتاحة المجال للقطاع الخاص لاستيراد المشتقات البترولية من السوق العالمية.
وما زالت السوق السوداء تلعب دورًا في مزيد من تدهور قيمة الريال اليمني، وتوقف البنوك وشركات الصرافة عن بيع الدولار ووصل الدولار لنحو 380 ريالاً، مما تسبب في ارتفاع جديد في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائة لأكثر من 30%، ومن المتوقع أن تدفع السوق السوداء إلى مزيد من التدهور للريال اليمني الذي يستقر عند مستوى 250 ريالاً لكل دولار في السوق الرسمي.
الضغط على المالية العامة
وفقًا للبنك الدولي؛ تعرضت المالية العامة لضغوط شديدة بعد أن اتسع عجز المالية العامة من 5% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 ليصل إلى 11.4% من إجمالي الناتج المحلي عام 2015. ويعد هذا الاتساع الكبير في عجز المالية العامة رد فعل مباشرًا لتراجع الإيرادات النفطية، التي كانت تغطي نحو 70% من ميزانية الدولة.
علاوة على توقف مصادر المدخول الدولاري الرئيسية فضلًا عن توقف التمويل الأجنبي للموازنة إلى حد كبير بسبب قيام الكثير من شركاء التنمية بتعليق مشاركتهم، وانتقل البعض من الشركاء إلى تمويل عدد من عمليات الإغاثة والطوارئ. وتآكلت الاحتياطيات الخارجية إلى أدنى مستوياتها، من 4.7 مليار دولار مطلع 2015، إلى 987 مليون دولار.
كذلك تراجعت حصيلة الضرائب من القطاعات غير الهيدروكربونية بنحو 25% بين عامي 2014 و2015، واضطرت الحكومة إلى تأجيل أو تعليق الكثير من التزامات الإنفاق العام، بينما أوفت بالتزامات دفع الأجور والفائدة. وتم تخفيض جميع العلاوات على الأجور. كما توقف الاستثمار العام بشكل كلي.
انكماش حجم الناتج المحلي الإجمالي
توقعت تقارير محلية ودولية انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 13.3 مليار دولار عام 2014 إلى نحو 8.7 مليار دولار عام 2015، أي بتراجع يقدر بنحو 34,6%. ويرجع هذا لأسباب عديدة أهمها الآثار المباشرة للحرب في معظم المحافظات اليمنية، التي أنهكت البنية التحتية وتدمير المنشآت العامة والخاصة وتعليق الاستثمارات العامة والخاصة.
إضافة إلى وجود أزمات حادة في الوقود والكهرباء والغذاء والمياه والنقل والتعليم والرعاية الصحية. وكذلك، تعليق دعم المانحين الذي بلغ حوالي 7.1 مليار دولار خلال الفترة الفترة 2012-2014، علاوة على تدني النفقات العامة وتجميد البرامج الاستثماراية العامة وتوقف صادرات النفط وتقييد الواردات السلعية من الخارج.
وتوقعت وزارة التخطيط اليمنية، انكماش الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، بحوالى 12.8% بسبب توقف معظم الصادرات واستمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها أزمة السيولة التي عمقت الانكماش الاقتصادي وأدت لفقدان القوة الشرائية واتساع البطالة والفقر.
وفي ذات السياق؛ زادت معدلات البطالة وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مستويات مقلقة، حيث يقدر بحوالي 326 دولارًا للفرد فقط عام 2015، وهو ما يعني انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفع من الأساس، ومزيدًا من انتشار سوء التغذية بين الأطفال.
واقع الأزمة الإنسانية باليمن
أدت الأزمة اليمنية إلى نزوح وتشرد الملايين من المواطنين والذين يفتقدون لأبسط الخدمات الأساسية، وفي حاجه ملحة لمساعدات عاجلة لإنقاذ حياة من هم بلا مأوى، وقدرت الأمم المتحدة بأن 18.8 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية منهم 10.3 مليون بحاجة ماسة لهذه المساعدات.
وتتسارع وتيرة المجاعة الكارثية في اليمن، وخاصة في ظل تقييد الواردات السلعية لأسباب تتعلق باختفاء مخصصات الاستيراد من الدولار، فضلًا عن تسبب القتال على طول ساحل البحر الأحمر في إحداث ضرر كبير بميناء الحديدة، أكبر ميناء في اليمن، مما أدى إلى عرقلة الواردات التي تشكل 90% من الغذاء الرئيسي في اليمن. مما يبدو فإن عام 2016 انتهى باعتماد المجتمع الدولي فقط نصف المبلغ اللازم لدعم خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن.
ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية، الفاو؛ فإن من يعانون انعدام الأمن الغذائي يصل لنحو 14 مليون شخص، وقدرت المنظمة الحاجة لنحو 48 مليون دولار خلال عام 2017، لتقوم بعدد من التدخلات الطارئة لدعم سبل كسب العيش الزراعية لمساعدة أكثر من 3 ملايين شخص ممن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، جاء ذلك بعد تخصيص الاتحاد الأوروبي لنحو 12 مليون يورو لدعم جهود منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من أجل معالجة مشكلة الجوع في البلاد.
وأوضح صلاح حاج حسن، ممثل منظمة الفاو في اليمن، «أن البلاد تمر بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم» وأضاف أن المساعدة المقدمة من الاتحاد الأوروبي ستعزز قدرة المنظمة على جمع البيانات المهمة حول الأمن الغذائي لتتمكن من اتخاذ إجراءات سريعة لتفادي تدهور الوضع».
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، جيمي ماكغولدريك، في بيان «إن الأوضاع كارثية في اليمن، وماضية في التدهور». مضيفًا أن نحو ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف شخص، بينهم ما يزيد على مليوني طفل، يعانون من سوء التغذية الحاد.
ويبدو أن اليمنين بالمناطق المسيطر عليها الجماعة الحوثية في انتظار مزيد من المشكلات في الحصول على السلع الغذائية بعد أن قرر الحوثيون تحديد سقف للواردات بالمناطق الوقعة تحت سيطرتهم ومنعهم، المؤقت، للتجار من شراء الدولار لدعم العملة اليمنية وهذا قد يفاقم من الوضع الإنساني بالبلاد.
المساندة الخليجية للاقتصاد اليمني
اتخذ الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، في 18 سبتمبر/ أيلول المنصرم قرارًا، بنقل المركزي اليمني من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون إلى عدن (جنوب) المقر المؤقت للحكومة، ورغم المحاذير الدولية، إلا أن اليمن تلقت وعودًا خليجية بمساندة دولارية لدعم الاحتياطي النقدي ودعم فرص نجاح قرار نقل المركزي اليمني إلى عدن.
هذا القرار أحدث فراغًا وانقسامًا باليمن، وتجلت أهم تبعاته على عدم استقرار الإمداد السلعي من السلع الأساسية من الغذاء، والقمح والأرز، والدواء وانتقلت اليمن إلى دولة تستقبل المساعدات للنازحين وبالأخص من أطراف المدن، بسبب أجواء الحرب.
ويكاد يؤمن الاحتياطي النقدي نحو أقل من شهر من الواردات. وهذا أدخل الاقتصاد اليمني بل دولة اليمن برمتها في مفترق طرق، وقد يكرس قرار نقل المؤسسات المالية ومؤسسات الحكومة إلى عدن، في ظل انسداد الأفق للحل السياسي وفشل مفوضات الكويت مرارًا في تسوية الأزمة، من تعزيز انقسام اليمن.
ويرى كثير من المراقبين للوضع اليمني أن الدعم الخليجي الذي يجري الحديث عنه حاليًا من خلال ودائع جديدة فضلًا عن تقديم مساعدات مالية، قُدرت في أحسن الأحوال بنحو 12 مليار دولار، سينعش العملة المحلية وسيسهم بتحسن سعر العملة الوطنية مقابل الدولار الامريكي وبقية العملات.
وكان الاحتكام لطاولة المفاوضات في صالح الجماعة الحوثية أكثر من الحكومة الشرعية، وتُعرف الأولى بالمفاوض المراوغ، مدعومةً بتدخل خارجي إيراني لا يخفى على العيان، ومع عدم الالتزام بالقرارات الأممية المتعلقة وأهمها على الإطلاق الكف عن اللجوء إلى العنف، يمكن رصد فرضيتين:
الأولى؛ يمثل فشل المفاوضات نجاحًا للجماعة الحوثية وحلفائها، ومن ثم تكريس لوضع جديد للجماعة الحوثية على الأرض لسيطرتها على مناطق واسعة، والسعي لبناء كيان موازٍ باليمن ينطلق من العاصمة صنعاء، واستمرارًا للعنف من قبل طرفي الصراع.
والثانية؛ تتمثل في انفجار الوضع اليمني ليخلق مزيدًا من النزوح الداخلي والهجرة خارج حدود اليمن، بما يمثل عبئًا على الدول المحيطة بما فيها المملكة العربية السعودية ومصر والسودان، واللجوء إلى الهجرة غير الشرعية لأوروبا.
غير أن الفرضية التي أثبتها الواقع المنهك، تقتضي ضرورة تقديم مساعدات الإغاثة والمساعدات الإنسانية الأساسية للملايين ممن يعانون من الصراع وعدم توفر قوت يومهم.
وفي المجمل يبقى انفراج الوضع الاقتصادي اليمني، ليس بكم ما تحصل عليه الحكومة الشرعية أو الجانب الحوثي، من أموال من أطراف خارجية تستغل اليمن لتصفية حاسابات، بل رهن التسوية السياسية والأمنية، والتي من الممكن أن تعزز من فرص انتعاش سريع لإنتاج النفط ومن ثم توسيع الحيز المالي لمالية اليمن العامة، وتحسين موازين المعاملات الجارية وتعزيز النمو الاقتصادي في الأمد المتوسط.