الرئيسية > اخبار وتقارير > التشكيل بمخلفات نباتية وطبيعية للفنان وليد الزبيدي: قراءة في وعي التجربة ورؤيتها

التشكيل بمخلفات نباتية وطبيعية للفنان وليد الزبيدي: قراءة في وعي التجربة ورؤيتها

خصوصية علاقته بخاماته وألوانه وتقنيته عززت من فرادة ونوعية تجربته، كما رفعت من شأن لوحته، التي تضطرك للوقوف أمامها مندهشاً، مما تفيض به من بساطة ومغايرة تُكرّسان مغامرة فنية، مازال معها الفنان اليمني وليد الزبيدي (1980) وحيداً في مجالها منذ أكثر من 15 سنة.

 

استغني الزبيدي في لوحاته عن الفرشاة، كما لا يستخدم أي ألوان صناعية، إذ له منهجه الخاص ولوحته الجديدة (رؤية وأسلوبا وخامات)؛ فعلام يشتغل هذا الفنان؟ وكيف يُنجز لوحته؟ هو يعتمد في التركيب والتشكيل والتلوين على خامات نباتية وطبيعية يبحث عنها في مخلفات بيئة الحقل الزراعي والحياة المعيشية، ويهيئها ومن ثم يموضعها بيده داخل لوحته، وفق فكرته المحددة مسبقاً ومخططه الموضوع قبلاً، وإحساسه الذي قامت عليه خياراته وتنويعاته، وهو في هذا يتجاوز اشتغاله على سطوح اللوحة إلى المجسمات اعتماداً على مخلفات بيئته أيضاً.

 

من الطبيعي أن يستند التشكيل في هذه الخامات والألوان إلى معرفة فنية وحيوية بطبيعة المخلفات النباتية، بما يساعد الفنان على استخدامها جيداً، تكويناً وتلويناً وتعبيراً، في بناء سطوحه وترجمة رؤيته؛ كالمعرفة التي ينطلق منها التشكيليون الآخرون في علاقتهم بخاماتهم وألوانهم. ولعل لوحات هذا الفنان التشكيلي تتجاوز بساطة حديثه في تعبيرها الرؤيوي عن تميز تجربته.

 

تعود بدايات هذه التجربة إلى شغف صاحبها المبكر بالنحت الحجري والخشبي في مستهل تسعينيات القرن الماضي، ليستقر خلال تلك الفترة في النحت الخشبي، لاسيما بعد أن تلقى فيه دورات تأهيلية ضمن مجموعات حرفية، إلا أنه كان يواجه مشكلة في الحصول على الخامات لكلفتها المرتفعة؛ ما دفعة للتفكير في استخدام خامات متاحة، وهي الفكرة التي خرجت للنور عقب زيارته لمعرض تشكيلي مصري شهدته صنعاء، وشاهد فيه أعمالاً تشكيلية بخامات بسيطة معدنية وزراعية وغيرها من مخلفات البيئة؛ فاهتدى بعد تفكير إلى استخدام مخلفات نباتية وألوان طبيعية، وهو ما استغرق منه وقتاً حتى إنجاز الأعمال الأولى، التي عرضها مع منحوتاته الخشبية ضمن معرض جماعي، ففاجأه اهتمام وانجذاب الجمهور لها؛ ما شجعه لمواصلة الاستغراق والتجريب الذي ظل يفتح تجربته هذه على آفاق جديدة، وهو ما يمكن قراءته بدءاً من لوحته الأولى؛ وهي لوحة نافذة بيت تقليدي يمني، استخدم فيها أعواد وأوراق وحبوب سنبلة الذرة وغيرها، وهي لوحة قد تبدو بهذه الخامات النباتية صغيرة وبسيطة، لكن المتأمل في التفاصيل يجد أن التفكير والتجريب والتكوين والتركيب والتشكيل استغرق وقتاً وجهداً، حتى تحولت تلك المواد بين يديه إلى لوحة فنية ممهورة بإحساس فني، ترجم رؤية جمالية موضوعية يتجلى من خلالها مدى وعي الفنان بما يريد عمله وإيصاله من خلال مخلفات بسيطة، منحتها المعالجة الفنية روحاً ومعنى جديدين، وهي التجربة التي تواصلت في عددٍ لا محدود من اللوحات، نظّم من خلالها حتى الآن خمسة معارض شخصية، وما تزال تتطور تجربة هذا الفنان، الذي صار أكثر مهارة ودراية وخبرة من ذي قبل في علاقته بخاماته وكذلك (دعكة) يده وقدرتها على إنتاج الألوان المطلوبة وبسطها، وهو ما يمكن قراءته بوضوح في كثير من أعماله بما فيها لوحة «قصر الغويزي»، التي تعددت فيها السطوح والخامات والألوان وصولاً إلى هذه الموسيقى اللونية التي انتظمت على إيقاعاتها الأشكال والمعاني؛ وهو ما يعكس ما صارت إليه التجربة في علاقتها مع الخامات الطبيعية من ناحية، ومع اللوحة من ناحية أخرى؛ وهي اللوحة التي يحار أمامها المتلقي إعجاباً وتساؤلاً ليس أمام اللوحات، بل أمام المجسمات أيضاً؛ فبساطتها ساحرة وتجربتها جديرة بالدراسة والدعم… يكفي أن نقف أمام لوحة «الذرة العازفة» أو لوحة «الطاووس» وغيرهما من الأعمال.

 

تنطلق هذه التجربة من رؤية واعية بخصوصيتها؛ فالفنان، من خلال هذه الأعمال، يدرك أهمية دوره في تكريس ثقافة الحفاظ على البيئة والاستفادة من مخلفاتها في أعمال فنية تعزز الوعي الجمالي الجمعي؛ فلوحاته كأنها دعوة للإنسان ليمد يد السلام مع كوكب الأرض، كما ندرك، من خلال هذه اللوحات، مدى وعي الفنان بجمال الحياة من حوله وحرصه على أن يدرك الناس كل هذا الجمال في حياتهم فيحافظوا على البيئة باعتبارها مصدرا ثريا للجمال، والحفاظ على الجمال هو حفاظ على الحياة والإنسان. ومثل هذه الرؤية التي تنطلق منها تجربته وتدور في فلكها أعماله لم تكن رسائلها فوقية، بل نزلت إلى اليومي في حياة الناس، بل إنها تجاوزت بلاد الفنان إلى البلدان الأخرى؛ وهو ما نقرأه في لوحة «المجد للأرز» في تعبيرها عن الموقف من معاناة لبنان جراء العدوان الإسرائيلي. في ما يتعلق بخامات هذه اللوحة نجد الفنان استخدم الملح في خلفيتها فيما استخدم (الكشري) في تشكيل شجرة الأرز، والفلفل الحار في تشكيل اليد الممسكة بالخنجر…الخ.

 

لكن يبقى السؤال: ما مصير هذه الأعمال، وهي تعتمد على خامات نباتية وطبيعية عُرضة للتلف مع مرور الوقت؟ هذه المشكلة أدركها الفنان بعد تلف لوحاته الأولى خلال أسابيع، وبعضها خلال شهور ليبدأ بالتفكير بأسلوب جديد يراعي هذه المشكلة في نوعية الخامات كما خلص إلى استخدم مواد حافظة طبيعية يدهن بها اللوحة ـ كما أوضح لكاتب السطور- بما يضمن الحفاظ على كثير منها لفترة أطول.

 

يدرك هذا الفنان أنه يعمل في مجال لا ينافسه فيه أحد، كما يدرك أن تجربته مازالت نتاج جهد ذاتي طيلة هذه السنوات. وضاعف من معاناته من الإحباط والعوز عدم استقرار الوضع في بلاده، لكنه على الرغم من ذلك، لم يفقد الأمل بمستقبل يُعيد الاعتبار لوطنه وتحظى تجربته الجريئة والفريدة هذه بما تستحقه من الدراسة والدعم.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)