الرئيسية > محلية > بشيقل ونصف.. الطائرات الورقية تلحق بـ"إسرائيل" خسائر مليونية

بشيقل ونصف.. الطائرات الورقية تلحق بـ"إسرائيل" خسائر مليونية

رغم بساطتها وبدائيتها، فقد تحولت الطائرة الورقية التي كان يلعب ويلهوا فيها الشبان الفلسطينيون إلى سلاح مقاومة جديد يُشكل تحديًا أمنيًا واقتصاديًا كبيراً لـ"إسرائيل"، وخاصة المستوطنين اللذين يعيشون شرق الخط الحدودي الفاصل مع قطاع غزة.

طائرة صغيرة دخلت سريعاً على خط الاحتجاجات الفلسطينية، وتميزت بقلة تكاليفها وسهولة تصنيعها وكثرة الخسائر التي تكبدها للاحتلال "الإسرائيلي"، أُضيفت عن جدارة واستحقاق إلى قاموس المقاومة الشعبية، بعد أن اعترف الاحتلال بأن "القوة التي تسقط من السماء لا يمكن وقفها".

هذا النوع الجديد من المقاومة الذي يستخدمه الشبان في قطاع غزة منذ انطلاق "مسيرة العودة" على حدود القطاع في الـ30 مارس الماضي، بات الشغل الشاغل لقوات الاحتلال، وتُطرح من أجل "العدو الورقي" المخططات وتعقد الجلسات وتقدم الميزانيات لوقفه بعد أن حول الأراضي الخضراء المحيطة بغزة لسوداء قاحلة.

وتقوم نظرية "الطائرة الورقية" بعد تصنعيها من عيدان الخشب وأكياس النايلون، على اختيار الشبان منطقة حدودية بعيدة عن دوريات جيش الاحتلال، ثم إشعال النار في "الحارقة" المثبتة بذيلها، وتوجيهها بالخيوط إلى أراضٍ زراعية قريبة من مواقع عسكرية إسرائيلية، وقطع الخيط فتسقط "الطائرة الحارقة" وتشعل النيران بالمكان الذي تسقط فيه وتحوله لأسود اللون بعد ساعات قليلة.

- الصدفة قادت للسلاح الجديد

"إبراهيم الشاعر"، مسؤول وحده "الطائرات الحارقة" في مسيرة العودة شرق مخيم اليريج وسط قطاع غزة، يؤكد أن الطائرة الورقية باتت من أهم الأسلحة التي يملكها الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للتعبير عن الغضب تجاه المجازر التي ينفذها بحق غزة وأهلها، خاصة أن وسيلة "المولوتوف" التي كانوا يستخدموها في السابق باتت لا تجدي نفعاً بسبب بعد المسافة عن جنود الاحتلال والمواقع المحيطة بغزة.

وعن أصل هذه الفكرة، يوضح الشاعر لـ"الخليج أونلاين"، أن الصدفة هي من قادتهم إلى اكتشاف هذا النوع من السلاح بعد قيام أحد المواطنين بإشعال نار بقطعة قماش مغمّسة بالسولار في ذيل الطائرة تساوي الشيقل والنصف تقريباً وقطع الخيط الذي يتحكم بها بعد طيرانها لمسافات بعيدة داخل الشريط الحدودي، للتوجه بفعل الرياح نحو موقع عسكري إسرائيلي شرق مخيم البريج وتحرقه بالكامل.

"بعد ما شهدنا ذلك قررنا أن نطور هذا السلاح الذي يحافظ على أرواح الشباب من قناصة جيش الاحتلال، وصنعنا طائرات ورقية كبيرة الحجم، ووضعها بذيلها حارقة، وتحكمنا بها بخيط طويل، ونقوم بإرسال تلك الطائرات نحو المناطق الزراعية المحيطة بغلاف غزة ونقطع خيطها لتتوجه نحو المكان المحدد وتحرقه بالكامل"، يضيف مسؤول وحده "الطائرات الحارقة".

ويشير إلى أن هذا السلاح ألحلق أضرار كبيرة لدى الاحتلال وخاصة المستوطنين الذي يعيشون في محيط القطاع ويملكون أراضي زراعية على طول الشريط الحدودي، مؤكداً أن الاحتلال بكل قوته عجز حتى هذه اللحظة عن مواجهة الموت الذي يسقط عليه من السماء.

ولفت الشاعر إلى أن هناك دراسة لتطوير"الطائرة الورقية" وإضافة بعض الوسائل القتالية لها لتكون أكثر تأثيراً وإيلاماً الاحتلال الإسرائيلي، منوهًا أن الجديد سيكون مفاجئة للجميع وستقف فيه دولة الاحتلال عاجزة عن فهم ما سيسقط عليها من السماء.

ولم يقتصر الأمر على "النواة الأولى" لصناعة "الطائرات الورقية الحارقة"؛ إذ استلهم الشبان في مناطق متعددة الفكرة، ويعدون لإطلاق العديد منها خلال الأيام المقبلة، كما انتشرت على عدد من الحسابات بمواقع التواصل الاجتماعي طريقة تصنيع الطائرة الورقية الحارقة، لحث مزيد من الشبان على صناعتها، واستخدامها خلال التظاهرات على حدود غزة.

- المقاومة المشروعة

ويقول سعيد بشارات، المختص بالشأن "الإسرائيلي"، إن : "الطائرات الورقية الحارقة التي يرسلها الشباب من غزة تجاه المستوطنات والأراضي الزراعية المحيطة بالقطاع، قد دخلت بسرعة على خط الاحتجاجات والمواجهات مع الاحتلال وشربته من حسرة الخسائر المالية الفادحة".

ويضيف لـ"الخليج أونلاين": "تطور المقاومة في فلسطين يشهد نموا كبيرا، فمن أداة للعب واللهو تتحول في أيدي الشبان لوسيلة قتال ذات تأثير مباشر على العدو، جعل الاحتلال يتخبط أمام هذا الإصرار والتطور الكبير على وسائل المقاومة".

بشارات يلفت إلى أن تلك الطائرات باتت تقلق الاحتلال كثيراً، خاصة في ظل عجزه بالسيطرة عليها، إضافة لحالة الرعب التي تسببها لدى المستوطنين المقيمين قرب الخط الحدودي مع قطاع غزة، مشيراً إلى أن سلاح القناصة الذي انتشر على الحدود ولا القبة الحديدية يمكن أن تعترضا تلك الطائرات الورقية التي تحدت جيش الاحتلال بأكمله.

- تعددت وسائل النضال والهدف واحد

وعن مدى تطور المقاومة وابتكارها لوسائل بدائية في مواجهة الاحتلال، أكد الكاتب والمحلل السياسي، حسام الدجني، أن أي وسيلة نضال يستطيع من خلالها شعبنا للفت أنظار العالم حول بشاعة الاحتلال وجرائمه وانتهاكه للقوانين الدولية هي وسائل مشروعة ومهمة ومؤثرة والطائرة الورقية أحد أشكال تلك الوسائل".

وفي تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، يقول "الطائرة الورقية كبدت الاحتلال خسائر مالية إلا أن هذه الخسائر لا توازي قدم بترت أو روح زهقت نتيجة البطش والإرهاب الذي مارسه الاحتلال ضد المدنيين في مسيرات العودة".

ويتابع حديثه "أثبتت التجارب التاريخية أن قوة الاحتلال تهزم أمام قوة الحق، وهو ما تجسد في مسيرات العودة بفشل الاحتلال على مواجهة الأطباق الطائرة أو مواجهة المسيرات السلمية كون شعبنا نجح في تحييد سلاح الاحتلال من خلال المقاومة الناعمة السلمية".

وعن مدى استفادة المقاومة من هذه الوسيلة وتطوريها، يؤكد الدجني أن "المقاومة المسلحة لا يمكن أن تفوت أي فرصة تحقق من خلالها قوة الردع مع الاحتلال، وبذلك في حال كان هناك إمكانية للاستفادة لا اعتقد أن القائمون على ذلك لن يعملوا على تحقيقه".

ومنذ الثلاثين من مارس الماضي، يتجمع آلاف الغزيين في خمسة مخيمات نُصبت على الحدود الشرقية للقطاع، في ما يُعرف بـ"مسيرة العودة الكبرى"، بدعم من الفصائل، للتأكيد على حقهم في العودة إلى ديارهم، ولإفشال مخططات تصفية قضيتهم، لا سيما في ظل حديث متزايد عن "صفقة القرن"، واستشهد خلال قمع الاحتلال تلك المسيرات العشرات، وأصيب أكثر من ثلاثة آلاف آخرين.

- "إسرائيل تتخبط"

وبحسب اعترافات "إسرائيل" فإن الطائرات الورقية كبدتهم خسائر تقدر بمئات ملايين الدولارات بعد أن أحرقت الأراضي الزراعية المحيطة بغلاف غزة ما يقارب الـ5000 دونم بنسبه 90% وحولت لونها للأسود.

وتحدثت مواقع عبرية أن ما يزيد الأمور تعقيداً أن اتجاه الريح يخدم أهداف الفلسطينيين، إذ أنّ الرياح التي تندفع للشرق توسع من دائرة الحرائق وتزيد من مساحات المزارع التي يتم إتلافها نتاج ذلك.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "فوهة باري الصدمية المحاذية لقطاع غزة كانت مكانًا أخضرًا مزهرًا على قيد الحياة وتعتبر واحدة من أجمل الأماكن وتعرف بأنها الرئة الخضراء، لكن بفعل الطائرات الحارقة أصبحت أرضًا محترقة ومدمرة، حزينة يلفها سكون مميت".

وتطورت قضية "الطائرات الحارقة"، إلى أن تقدم أعضاء المجلس الإقليمي لمستوطنة أشكول، بشكوى رسمية لشرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بزعم زيادة ظاهرة سقوط الطائرات الورقية القادمة من قطاع غزة، والتي جعلت قوات الدفاع المدني الإسرائيلي في منطقة غلاف غزة في حالة تأهب مستمرة.

وأعلنت مصلحة الضرائب الإسرائيلية، عن حزمة تعويضات للمزارعين، بالإضافة إلى ذلك، تجمعت مجموعة من المزارعين، وأعلنت أنها تعتزم مقاضاة حركة "حماس" في محكمة العدل الدولية في لاهاي عن الأضرار الناجمة عن الحرائق.

يُذكر أن الفلسطينيين ابتكروا منذ اندلاع الانتفاضة الأولى أدوات مقاومة تقلص من تأثير الإجراءات العسكرية والعوائق المادية التي يبنيها جيش الاحتلال في محيط القطاع.

فقد تمكن الفلسطينيون عند اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987 من إحراق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية للمستوطنين في محيط القطاع من خلال ربط خيط طويل بذيل قطة وتركها تنطلق عبر الخط الحدودي بعد إحراق طرف الخيط.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)