الرئيسية > اخبار وتقارير > نازحو الحديدة .. الفرار من الموت إلى الجوع والفقر والمعاناة (تقرير خاص)

نازحو الحديدة .. الفرار من الموت إلى الجوع والفقر والمعاناة (تقرير خاص)

نازحون من الحديدة - إرشيف

نازحوا الحديدة، قصة لم تأخذ حقها من العناية والتركيز من قبل الإعلام، بالرغم من أن الحديدة ظلّت في عناوين الأخبار طيلة الشهور الماضية.

آلاف الأسر نزحت من المدينة عقب اشتداد المعارك على أطرافها الجنوبية والشرقية، وكذا من ضواحيها التي لا تزال موبوءة بالألغام والمخلفات التي تركها الحوثيون وراءهم.

فقر وغلاء معيشة، وفُقد أحبة، هذا هو حال نازحو الحديدة الذين توزعوا على مختلف المحافظات اليمنية، في ظل التلاعب والغياب الذي تبديه المنظمات الإغاثية تجاه هؤلاء النازحين.

"مندب برس"، تواصل مع عدد من النساء النازحات من الحديدة، استطلع آراءهن وتعرف على أحوالهن، والتي لا تختلف كثيرا عن أحوال آلاف الأسر التي نزحت فرارا من الموت والألغام في المحافظة الواقعة غرب اليمن.

 

المصائب لا تأتي فرادى

 

قبل سنتين فجعت "أم مرسي"، بمقتل ابنها البكر، بشظية صاروخ، أثناء تواجده في فناء منزلهم بإحدى حواري مدينة الحديدة.

منذ ذلك الحين، أصبحت "أم مرسي" امرأة أخرى، تسبق سنها بعقود، حملت هموما وأمراضا جراء الحزن والخوف، والاعتقال المتكرر لزوجها، فهي اليوم، تعاني من داء السكري الذي بات ملازما لها كظلها، إلى جانب معاناتها مع القلب.

اضطرت "أم مرسي" للنزوح هي وزوجها وطفليها، من مدينة الحديدة إلى صنعاء، باعوا ما استطاعوا من أثاث المنزل، لتوفير تكاليف السفر إلى صنعاء، ليستقروا في غرفة واحدة صغيرة بالكاد تصلح للسكن.

تروي "أم مرسي" لـ"مندب برس" مأساتها قائلة: "الحديده اصبحت مدينة غير صالحه للعيش، خصوصا بعد أن أحكم الحوثيون قبضتهم عليها، فالمدينة أصبحت تفتقر للكثير من الخدمات، وفي المقدمة الكهرباء التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن العيش في هذه المدينة الساحلية بدونها.

وأشارت إلى أن الحوثيين اختطفوا زوجها عدة مرات، وكل مرة كان الاحتجاز يستمر من شهرين إلى ثلاثة، وآخر مرة كانت قبل 6 أشهر، حيث استمر في سجن الجماعة قرابة ثلاثة أشهر ونصف.

تقول "أم مرسي"، زوجي يعمل في دائرة حكومية، لكن الحوثيين أسقطوا إسمه بحجة أنه يكتب ضدهم ودائم الانتقاد لهم، وبسبب ذلك قاموا باعتقاله عدة مرات".

وأضافت لـ"مندب برس": "أنا أيضا أصبحت شبه مراقبه منهم (الحوثيين)، بعدما احتجزوا زوجي وأسقطوا اسمه من وظيفته، وبالتالي أصبحنا الآن في يد الله، ليس لدينا مصدر إلا ما تجود به أيادي فاعلين الخير".

بعد أن أفرج الحوثيون عن زوجها آخر مرة، قررت الأسرة بيع غرفة النوم الوحيدة، والنزوح إلى صنعاء، حتى لا يتعرض الزوج للأذى والملاحقة مرة أخرى.

تضيف "أم مرسي": "إحنا الآن بصنعاء آخذين غرفه بدون مطبخ بـ 20 ألف، ليس لدينا طاقة شمسية ولا ماء للمنزل، نحصل على الماء من المسجد المجاور".

تتذكر "أم مرسي" بأسى طفلها البكر، الذي اختطفته شظية أثناء ما كان يلعب بحوش المنزل في الحديدة، حيث أصابته في الرقبة وتوفي على الفور بعد ساعتين.

وتضيف: "سجلنا بإحدى المنظمات هنا عشان يعطونا ما كتب الله، لكن لحد الآن ما فيش أي شي بالرغم من أننا سجلنا قبل أكثر من شهر، وزوجي بلا عمل، وأغلب الأوقات تكون وجبتنا الرئيسية في الفطور والسحور هي الزبادي والعيش (الخبز) فقط".

 

نزوح إلى قرية نائية

 

"أم عبدالله"، إحدى ضحايا النزوح والقهر في محافظة الحديدة، تروي لـ"مندب برس"، معاناتها وأسرتها بسبب الحرب والنزوح، قائلةً: "نحن عائله مكونه من أب وأم وبنتين وسته أولاد، اثنين من أولادي متزوجين والبقية طلاب في المدارس".

وأضافت: "أسكن في أطراف مدينة الحديدة الجنوبيه الشرقيه المقابله لشارع المطار، وهذه المنطقة كما تعلمون تشهد معارك ومواجهات، ما جعل بقائنا مستحيلا هناك، ما دفعنا للنزوح والخروج من الحديدة".

تقول "أم عبدالله"، إنه بعد أن قررت الأسرة النزوح، بقي اثنين من الأبناء في المنزل، لكي ينتبهوا عليه، لأنهم كانوا يعتقدون أن فترة النزوح لن تطول، وأنهم سيعودون، حتى أنهم لم يأخذوا أي شيء من عفش المنزل".

غادرت الأسرة مدينة الحديدة، في السابع من شوال في العام الماضي، وانتقلوا إلى محافظة إب، وهناك استقروا في فندق، حيث كانت الليلة الواحدة ب15000، وهو ما لم يكونوا يحتملوه.

وتضيف "أم عبدالله" لـ"مندب برس": "بقينا في الفندن يوم وليلة فقط، وبعدها انتقلنا إلى منزل إحدى الصديقات حتى نجد منزل للإيجار، ولأنه ليس هناك شقق في مدينة إب، اضطرينا أن نسكن في قريه لا يوجد فيها أي خدمات أو سوق مع العلم أن أصغر أولادي مصاب بمرض الأنيميا المنجليه ويحتاج إلى رعايه صحيه دائمة، وفي القرية مرينا بمعاناة كبيرة، حتى أننا كنا نشتري وايت الماء بـ20 ألف ريال، أما إيجار المنزل فقد كان بـ50 ألف ريال".

كانت أسرة "أم عبدالله" تعاني كثيرا في القرية، خصوصا حينما يتعرض ابنها لنوبة تكسر الدم، لأنه حينها بحاجة لدم، وبالتالي كان يصعب إيجاد متبرع في القرية، فضلا عن عدم وجود أي دعم صحي أو اعفاءات كونهم أسرة نازحة.

تضيف "أم عبدالله": "المنظمات قامت بتسجيلنا وتم تسليمنا سلاّت صحيه وبعض المواد الغذائية، ومن بعدها كانت المنظمه تتأخر بتسليم المساعدات الطبية والغذائية أيضا، حتى أننا كنا لا نتسلم أي إغاثة لمدة خمسة أشهر، مع أن أسمائنا موجودة في المنظمة، لكننا نجهل سبب تأخرهم".

 

في مواجهة البرد وشظف العيش

 

أما "أم تسنيم"، فاضطرت هي وعائلتها للنزوح إلى صنعاء فرارا من الحرب ومن الصواريخ، كما تقول، وفي صنعاء جلست في منزل خالتها، إلى أن عثرت بعد أربعة أشهر من البحث المضني على بيت للإيجار وهو عبارة عن بدروم بـ30 ألف ريال".

تقول "أم تسنيم" لـ"مندب برس": "كان زوجي يتجول من شارع إلى آخر ومن حارة إلى أخرى بحثا عن منزل يأوينا من البرد، لأننا لم نكن حينها متعودين على برد صنعاء، مرضنا بسبب تغير الجو أكثر من مرة، إلى أن عثرنا على منزل بقدر طاقتنا المالية".

يعمل زوج "أم تسنيم" على دراجة نارية لتوفير القوت الضروري لأسرته، ولتجميع تكاليف الإيجار، ذهبت الأسرة للتسجيل في إحدى المنظمات من أجل الحصول على مساعدات، وبعد 3 أشهر حصلوا منها على كمية من الدقيق فقط، ومع أن لديها طفلين بحاجة إلى الحليب، إلا أن المنظمة لم تقدم لهم شيء غير الدقيق الذي قالت إنهم لم يستطيعوا حتى أكله.

واليوم أكثر ما تريده "أم تسنيم"، هو أن تعود إلى منزلها في الحديدة، وتعيش هي وعائلتها الصغيرة بسلام، بعد أن تتوقف الحرب ويعود الأمن إلى المدينة.

 

نزوح وعودة ثم نزوح

 

"أم يحيى" هي الأخرى، ربة منزل نزحت هي وأسرتها فرارا من القصف والقذائف والاشتباكات في الحديدة إلى مدينة إب.

تقول "أم يحيى" لـ"مندب برس": "كنا في البيت في أول أيام العيد وبدأ الضرب في الحديده من قبل الطيران، وبعدها بمدافع الهاون وبعدين بدأت الاشتباكات بين الطرفين وبعدها بدأت الشوارع تتقفل بالتراب وبدأت المقاتلون يحفرون الخنادق".

وتضيف قائلةً: "خرجنا عبر كيلو 16 باتجاه إب، وكان الطريق كله حواجز ترابية وخنادق، وبعد مرور عدة أشهر رجعنا لكن الشوارع كانت لا تزال مليئة بالحواجز والخنادق، وطريق كيلو 16 لا يزال مغلق، فاضطرينا للدخول من خط الشام وخط السخنة، وهناك صادفتنا نقاط تفتيش كثيرة، إلى أن وصلنا إلى الحديدة من خط الكورنيش، ولم يكن هناك اشتباكات".

واستطردت "أم يحيى" قائلةً: "بعدها بشهر بدأت الاشتباكات العنيفه، وثاني يوم رجعنا إلى إب من خط الشام والضحي، وعبر الطرق الفرعية بين الرمال المتحركة، إلى أن وصلنا إلى إب".

وتشير كسابقاتها إلى أن الوضع في الحديدة يجعل من الصعب العودة، بينما ظروف النزوح قاسية، سيما أن هناك قصور من قبل المنظمات الإغاثية والجهات المعنية، والتي لا تقدم أي دعم لأسرتها كحال بقية النازحين، إلا فيما ندر، مبينة أن أسرتها حصلت على مساعدة إغاثية مرة واحدة منذ نزحت قبل عام.

وبالرغم من أن حال اليمنيين عموما أصبح مأساويا بسبب الحرب، والخراب الذي تسبب به الحوثيين، منذ انقلابهم على الشرعية في 21 سبتمبر 2014، إلا أن وضع كان الحديدة ربما يكون الأكثر تدهورا، كون المدينة تشهد مواجهات متواصلة، بالرغم من وقف إطلاق النار الذي يفترض أنه دخل حيز التنفيذ في ديسمبر 2018.

 

نزوح الآلاف

 

تسببت المواجهات في المدينة بنزوح آلاف الأسر إلى عدن وإب، وتعز وصنعاء، والمحويت وريمة وذمار وأبين.

وبحسب وكيل أول محافظة الحديدة وليد القدمي، فإن نازحي المدينة في تزايد مستمر، مبينا أنه يتم كل يوم رصد مزيد من النازحين.

ولفت إلى أن عدد الأسر التي نزحت من الحديدة إلى العاصمة المؤقتة عدن بلغت قرابة 7000 أسرة، وإلى أبين قرابة 1900 أسرة، و1200 إلى مأرب، بينما نزح إلى تعز قرابة 700 أسرة، بينما تتوزع 1500 أسرة على ثلاثة مخيمات في الرباط وصبر والمشقافة، إلى جانب آلاف الأسر التي نزحت إلى إب وصنعاء والمحويت وذمار وريمة.

وأكد "القديمي"، في تصريح لـ"مندب برس"، أن أبناء تهامة تشردوا في كل ربوع اليمن بسبب المليشيات الحوثية الإرهابية، مؤكدا أن وضع النازحين سيء، لكنه بدأ بالتحسن التدريجي مؤخرا، بفضل الجهود الجبارة التي تبذلها السلطة المحلية بقيادة محافظ المحافظة الدكتور الحسن طاهر، ولجنة الاغاثة بالمحافظة، لإيصال المساعدات الغذائية والدوائية والإيوائية لكل أبناء المحافظة في مختلف أماكن نزوحهم .

وبيّن "القديمي" لـ"مندب برس"، أنه جرى إنشاء عدة مخيمات في لحج والخوخه وكذلك في أبين لاستيعاب نازحي المحافظة، مؤكدا أن أكثر ما يعوق عودة النازحين إلى منازلهم هو سيطرة الحوثيين على أغلب تلك المنازل، وقيامهم بتفخيخها بالألغام، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)