واصلت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي جل اهتماماتها بالحديث عن الأزمة اليمنية وتداعياتها الخطيرة التي من الممكن أن تؤدي إلى عدم استقرار بلاد اليمن وتقسيمها.
من جهتها رأت بعض الصحف أن بلاد اليمن تشتمل على مكونات سياسية ومذهبية وقبلية عليها أن تتعايش معها، لافتاً إلى الحروب الست التي كان الحوثي طرفاً فيها شابت أغلبها الانتهازية السياسية وصراع المصالح، بينما كانت ساحة التغيير تجمع كل الشعب اليمني بما فيه الحوثيون في ثورة واحدة.
من جهتها رأت بعض الصحف بارقة أمل في عدول الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن استقالته، مؤكدة أنه يمثل الشرعية في البلاد ودعت جموع الشعب إلى الالتفاف حوله والتمسك بالشرعية وتنفيذ المبادرة الخليجية التي من شأنها المحافظة على بلاد اليمن السعيد.
وفي ذات السياق أشادت بعض الصحف باليمنيين الذين تحركوا في مأرب والجوف وغيرها والذين أعلنوا استعدادهم للدفاع عن الشرعية وعن اليمن.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة «الوطن» السعودية في إحدى افتتاحياتها إن الأحداث الساخنة الأخيرة في اليمن تشير إلى مستوى عالٍ من الوعي لدى الشعب اليمني، وإلى إحساس كبير بخطورة المرحلة، ولذلك التف اليمنيون حول بعضهم سعياً إلى هدف مشترك بعد وصول الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، وانفكاكه من الحصار الحوثي. فجاءت المسيرات الشعبية في الأيام الأخيرة في كثير من المدن اليمنية لتؤكد على شرعية الرئيس، وترفض ما فعله الحوثيون من إجراءات، وتطالب باعتبار العاصمة صنعاء مدينة محتلة.
وأضافت أن اليمنيين الذين تحركوا في مأرب والجوف وتعز وغيرها من المدن أعلنوا استعدادهم للدفاع عن اليمن وعن الشرعية، الأمر الذي يعني أن عودة الرئيس هادي لممارسة مهماته شكلت ضربة قاصمة للجماعة الحوثية التي ظنت نفسها استأثرت باليمن وقراراته السيادية على المستويين الداخلي والخارجي، وبلغ بهم الأمر حدّ عزل قيادات رسمية وتعيين قيادات حوثية مكانها بأسلوب استعماري، معتمدين في ذلك على توجيه السلاح في وجه من يخالفهم، إلا أن المعادلة تغيرت كثيراً، واستمرار حملهم للسلاح قد يكون أهم عوامل نهايتهم بعد حين.
وأضافت أنه وعليه، جاءت مطالبة كثير من أبناء اليمن للرئيس هادي بإعلان عدن عاصمة مؤقتة وممارسة مهماته الرئاسية منها، لتثبت أيضاً أن الشرعية باتت في مأمن، يحميها الوعي أولا، ويصونها أبناء اليمن الذين فهموا خطة الحوثيين، ورفضوا أن تكون بلادهم تابعة لإيران، ولذلك تضامنوا مع تمسك الرئيس هادي باستكمال العملية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية، إذ أعلن ذلك في بيانه مؤخراً.
وأضافت حين تنضم تيارات سياسية إلى مؤيدي الشرعية في اليمن، فذلك يشير بدوره إلى اختلاف المعطيات. فالحوثيون لم يعودوا قادرين على فرض إملاءاتهم على «التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري»، أو على «مجلس شباب الثورة السلمية»، أو «حزب التجمع اليمني للإصلاح»، وغيرها من تيارات أدركت خطورة المرحلة، وأنه لا بديل عن الالتفاف حول الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي المقبول من جميع الأطراف، عدا الذي يريدون التخريب لغايات واضحة كالحوثيين ومن ساندهم لتحقيق مآربهم.
واختتمت الوطن افتتاحيتها بأن الرئيس هادي أعلن في بيانه وقال: «لا شرعية للقرارات المتخذة بعد انقلاب الحوثيين»، واليمنيون الذين توافقوا عليه رئيساً شرعياً أيدوه فيما قال، فهل لدى الحوثيين طاقة على مواجهة إرادة شعب بأكمله، أم سيحكّمون صوت العقل ليقبلوا بالاندماج مع المكونات اليمنية من أجل بناء وطن المستقبل؟
وتحت عنوان «اليمن: بعد أن قلب هادي حسابات الانقلاب» قالت صحيفة «القدس العربي» في إحدى افتتاحياتها إنه مع استئناف عبد ربه منصور هادي عمله كرئيس للجمهورية اليمنية، أصبح واضحاً أنه تمكّن من قلب حسابات الانقلاب الحوثي، خاصة أنه أكد مجدداً التزامه باستكمال العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية التي راعتها دول مجلس التعاون الخليجي عام 2011 لنقل السلطة والتي سمحت لسلفه علي عبدالله صالح بالتنحي.
وتابعت القدس أن هادي قدم استقالته الشهر الماضي بعد استيلاء المسلحين الحوثيين على القصر الرئاسي وفرض الإقامة الجبرية عليه في صنعاء في صراع على السلطة بعد أشهر من التوتر بسبب خلافات حول مسودة الدستور، لكن البرلمان اليمني لم يجتمع لقبول الاستقالة حتى تصبح نافذة طبقاً للقوانين اليمنية.
وأضافت أنه رغم دعوة هادي إلى الإفراج عن رئيس الحكومة خالد بحاح ومسؤولين حكوميين آخرين ما زالوا قيد الإقامة الجبرية في منازلهم ليستأنفوا مهامهم، إلا أن تقارير توقعت مؤخراً أن يعلن تشكيل حكومة مؤقتة تمارس عملها من عدن كعاصمة مؤقتة لليمن، مع إعلان صنعاء عاصمة محتلة بهدف ملء الفراغ السياسي في البلاد.
وأضافت إذا صحت الأنباء حول قيام الحوثيين بخطف أحد أقارب الرئيس هادي، فإنها ستكون مؤشراً على إصرارهم على المضي في الطريق الخطأ الذي أوصلهم إلى هذا المأزق.
وتابعت: لقد أصبح هادي بشرعيته من يفرض الحصار عليهم بعد أن حاصروه في القصر الجمهوري ثم في بيته الخاص، وأجبروه على توقيع استقالته كما اضطروه إلى توقيع اتفاق للشراكة تحت قوة السلاح في شهر سبتمبر الماضي.
وتابعت: لعل أكثر ما يحتاجه الحوثيون اليوم هو التوقف وإعادة النظر في نهجهم المتهور والمتعجرف، منذ أن ركبوا الانتفاضة الشعبية ليحولوها إلى انقلاب عسكري بالتعاون مع الحرس الجمهوري بقيادة أحمد علي صالح نجل الرئيس السابق. عليهم أن يقروا بأن السيطرة على منازل المسؤولين أو خطفهم ثم مواجهة المظاهرات الشعبية المعارضة لهم بالرصاص الحي ليست أعمالا ثورية بل ديكتاتورية انقلابية.
وأضافت لو كانوا اكتفوا بدخول صنعاء، وامتنعوا عن اغتصاب السلطة بالقوة لاحتفظوا بالدعم الشعبي الذي مكنهم من تحقيق كل هذه المكاسب في وقت قياسي.
وأضافت: صحيح أن هروب هادي لا يغير موازين القوى على الأرض، وأن أي تسوية سياسية لا يمكن أن تتجاهل الواقع الجديد الذي خلقه الحوثيون، إلا أنه سيضطرهم إلى التخلي عن أوهام القوة التي صورت لهم أن بإمكانهم أن يحكموا البلاد وحدهم.
وشددت الصحيفة على أنهم سقطوا بامتياز في اختبار الحكم في أعين كثيرين، سواء من جهة النزاهة أو الحريات أو المشاركة السياسية. إذ ورغم قصر الفترة التي تولوا فيها الحكم عملياً في صنعاء فقد بدأت تلاحقهم شبهات الفساد مع اختفاء كميات كبيرة من الذهب والأموال.
وسياسياً، بعثت «القيادة العائلية» لحركة «أنصار الله» الحوثية الرسالة الخطأ لليمنيين بشأن صدق نواياهم تجاه التحول الديمقراطي، خاصة أنها لم تعلن أبداً تأييدها لثورتي سبتمبر وأكتوبر، ما أثار المخاوف من دفعهم باتجاه عودة الحكم الملكي.
وأضافت: في الواقع فإن كافة الأطراف، وليس الحوثيين فقط، مطالبون بمراجعة مواقفهم، ومنهم الأمم المتحدة التي تحول مبعوثها الخاص جمال بن عمر إلى جزء من المشكلة وليس الحل، عندما أسهم في شرعنة الانقلاب أولا عبر رعاية حوار تحت قوة السلاح، ثم الشروع في تطبيق ما سمي بـ «الإعلان الدستوري» الذي أصدره الحوثيون.
وأضافت فيما بدا محاكاة لفشل مبعوث جزائري آخر هو الأخضر الإبراهيمي لكن في سوريا، استمر بن عمر في الاحتفاظ بمنصبه وامتيازاته، حتى بعد أن أدرك أنه تحول إلى «شاهد زور» على اتفاقات يتم التوصل إليها بقوة التهديد والسلاح وليس قوة الحجة والإقناع.
وتابعت أما الدول الخليجية فقد حان لها أن تستوعب الدرس بأن تتعامل مع اليمن كدولة وليس كقبيلة. يجب عليها أن تعتمد لغة تفاهم أبعد من الهبات لشراء الولاءات الشخصية والقبلية، وهو المنهاج الذي دأبت عليه عقوداً طويلة، ما أدى إلى تقوية القبائل وإضعاف الدولة وبالتالي الوصول إلى هذه الحالة.
واختتمت بقولها إنه لا يكاد يجرؤ أي مراقب على التفاؤل وهو يرى أن المشهد اليمني المعقد أصلا ازداد تعقيداً، بل سيذهب البعض إلى أن عودة هادي ربما تكرس تعقيد الوضع في اليمن، لكن نظرياً يمكن أن تفتح عودة هادي نافذة للتحرك في اتجاه انفراجة بشرط أن يحسن توظيفها، إلا أن التسوية تحتاج إلى توافق إقليمي لم ينضج بعد بل ولا تبدو له بوادر في الأفق.
وفي إحدى مقالاته بصحيفة «الجمهورية اليمنية» يقول الكاتب أحمد عثمان إن خروج الرئيس هادي إلى عدن هزّ الوضع الداخلي والخارجي وقلب الطاولة على الوضع الشاذ الذي صنعته تحولات إقليمية بالأساس، ساعدت في ذلك أطراف داخلية رأت أن الفرصة أتتها جاهزة لكي يمسكوا بالحكم على طريقتهم الإقصائية والخرافية وبوسائل الفوضى والعنف، ولم يقروا الوضع الداخلي، وتابع: أعني الرفض الشعبي العميق والواسع.
وأضاف أن المشهد الآن واضح، فهناك رفض شعبي مستمر لم يضعف ولم يتردد وسيزداد زخمه مع نجاح الرئيس هادي بإنقاذ الشرعية المختطفة، وفي الجانب الإقليمي هناك موقف إقليمي واضح، خاصة الموقف الخليجي والذي يعتبر أمن اليمن جزءاً من أمنه، وأي تباطؤ أمام انهيار اليمن سيكون له مردود سلبي على دول الخليج والمنطقة.
وأضاف: لهذا كان بيان دول الخليج بما يتعلق بدعم الرئيس هادي ودعوة القوى السياسية اليمنية للالتفاف حول شرعية الرئيس يعكس حرصاً شديداً ورؤية واضحة من قبل دول الخليج التي غابت في بداية الأحداث أو تساهلت لأسباب منفصلة عن السياسة وحسابات مصالح الدول والشعوب، وهي أسباب ما زالت غامضة أو غير واضحة، وهذا متروك للتاريخ وهو موقف أسهم بصورة رئيسية للوصول إلى هذه النقطة التي تحولت فيها صنعاء إلى غابة من السلاح والمليشيات والفوضى والغرائب بشكل يهدد دول وشعوب المنطقة.
وشدد الكاتب في نهاية مقالاته بأنه يجب أن تسرع مؤسسة الرئاسة وتغير أسلوبها في التعامل من حيث السرعة والجدية والوضوح وهي عوامل يجب أن يمارسها الجانب الشعبي في الشارع وجانب القوى السياسية، وكذلك الجانب الإقليمي المعني وتحديداً دول الخليج التي عليها أن تنفصل في سياستها تجاه اليمن عن المسار الدولي الذي له سياسته البطيئة جداً ومصالحه البعيدة وحساباته الخاصة به التي لا علاقة لها بمصلحة اليمن ولا بمصلحة دول وشعوب الخليج والجزيرة العربية، فاليمن وشعوب الخليج هي التي ستحرق بنار الفوضى لو تصاعدت وترك لنيرانها أن تنتشر، ولهذا يجب أن يتعامل معها بإحساس اليمن والإقليم القريب بهذه النار الخطرة لا مع إحساس الغريب البعيد والذي يضع رجله في الماء في مكان بعيد وآمن، فالنار لا تحرق إلا رجل واطيها.
/نقلا عن العرب القطرية/