الرئيسية > اخبار وتقارير > التفاصيل الكاملة لست سنوات من المواجهات بين الحوثيين وقبائل "الزُّوَب" في البيضاء

حروب "المسافة صفر"

التفاصيل الكاملة لست سنوات من المواجهات بين الحوثيين وقبائل "الزُّوَب" في البيضاء

قصف الحوثيين لقرية الزوب بقيفة بالبيضاء

منذ دخولها محافظة البيضاء في أكتوبر من العام 2014م شنت ميليشيا الحوثي أربعة حروب على قبيلة "الزُّوَب" في مديرية القريشية، لا تزال الأخيرة منها لم تضع أوزارها بعد، وعلى مدى السنوات لم تغير الميلشيا شماعتها لمهاجمة القرية "الإرهاب، داعش، القاعدة" على الرغم من واقع أبناء القبيلة البعيد عن كل تلك التهم.

تقع قرية الزوب في مديرية القريشية التي تتبع قبيلة قيفة الشهيرة وسط اليمن، وهي قرية مسالمة يميل أهلها الذين يقدر عددهم بأكثر من 4 ألف نسمة، للعلم والمعرفة والعمل والتجارة، وسبق أن اتفق أهلها إبان الجائحة الحوثية على عدم قبول أيٍّ من المسلحين التابعين لأي طرف، لكن الميليشيا التي دخلت البيضاء لتسوق نفسها كمحارب للإرهاب تأبى إلا رميهم بالتهمة كبقية خصومها في كل مناطق اليمن.

خلال هذه المادة والتي جمعها مراسل "المصدر أونلاين" من مصادر عديدة، من بينها مصدران قبليان، ومصدر في لجان الوساطة، وآخر طبي، وخامس حقوقي، ومصدران مدنيان من أهالي المنطقة. نستعرض تفاصيل هذه الحرب التي تشنها الميليشيا على المنطقة منذ ست سنوات.

بدأت الحرب الأخيرة منتصف أغسطس الماضي، بعد أن تمكنت الميليشيا من قرى كانت خارج سيطرتها في مناطق قيفة وقطعت كافة الطرقات الرابطة بينها وبين محافظة مأرب، كانت "الزوب" آخر منطقة توجه الحوثيون لاجتياحها، رغم الاتفاق الموقع بين الطرفين نهاية الحرب الثالثة في العام 2016م. ونظراً لتغير الظروف وموازين القوى المحيطة وحقناً للدماء، قرر القبائل فتح الطريق أمام الميليشيا، فسمحوا بدخول القرية والتمركز في إحدى مدارسها واستحداث نقاط تفتيش في مفاصل القرية ومداخلها.

بعد أيام، ونتيجة لعدم اطمئنان الميليشيا في المنطقة كنتيجة للحروب السابقة، أرسلت حملة عسكرية كبيرة يقودها القيادي الحوثي المدعو "أبو طه" تضم مئات المقاتلين وعشرات الأطقم والمدرعات العسكرية والدبابات وحاصرت القرية من كل الاتجاهات، وأعلنت فرض شروط جديدة على الأهالي من بينها تسليم مطلوبين وتفتيش عدد من المنازل.

ورفضت القبيلة الأمر في البداية، لتوافق لاحقاً بعد تدخل وساطات قبلية وبالفعل سلّمت عشرة من أبنائها للحوثيين وسمحوا لهم بتفتيش منازل برفقة وسطاء، ووفقاً لما يرويه مصدر محلي، فإنه أثناء عملية التفتيش مساء الخميس 3 سبتمبر الجاري في منازل بطرف من القرية، شن عناصر الميليشيا قصفاً بالأسلحة الثقيلة على منازل في جهة أخرى، ما أدى لمقتل ثلاثة مدنيين وإصابة ستة آخرين بينهم ثلاث نساء.

في صباح اليوم التالي فجر الحوثيون منزل المواطن "عبدربه احمد جارالله الزوبه" وشقيقه المغترب "صالح"، قبل أن تصل وساطة جديدة، من قبيلة "آل أبو صريمة" المجاورة، فقدمت الميليشيا شروطا جديدة، واستمرت في قصف منازل القبائل، ما أدى لمقتل الشاب "عصام فهد مفتاح الزوبه" الذي استهدفه القصف أثناء عمله في محله التجاري. مساء الجمعة 4 سبتمبر، قرر أبناء القبيلة خوض المواجهة والدخول في حرب غير متكافئة، "ولكن قدها الضرورة لحفظ كرامتنا"، يقول مصدر قبلي تحدث لـ"المصدر أونلاين".

خلال ساعات شن أبناء القبائل حملة ضد ميليشيا الحوثي تمكنوا خلالها من طردها من القرية، بعد مواجهات من "مسافة الصفر" يقول المصدر، قتل فيها وأسر عدد كبير من الحوثيين، وأحرقت ثلاثة اطقم وعربة BMB، فيما فر بقية عناصر الميليشيا الذين لاحقهم القبائل في السهول والوديان، ليحاصروا القرية من أطرافها.

وساطات جديدة والأصابع على الزناد بعد انكسار الميليشيا أرسل الحوثيون في البيضاء وذمار وساطة قبلية كبيرة مكونة من عشرات السيارات ومئات المشايخ والوجهاء من قبيلتي قبائل قيفة والحدا بقيادة الشيخ "احمد حسين الحديجي" وبعد ساعات من انتظار إذن قائد الحملة الحوثية المدعو "أبو طه" سمح لخمسة مشايخ بالوصول الى قرية الزوب، وهناك انتظروا في العراء لساعات أخرى حتى وصل مشرف الحوثيين في البيضاء المدعو "حمود محمد شتان شميلة" الذي خاطبهم الوساطة بعنجهية: قبل أي حوار او تفاوض يسلموا هذه القائمة من المطلوبين "ما لم سنطحن القرية بمن فيها"، ثم أردف مستهزئاً: "والنساء والاطفال يبعثهم الله على نياتهم يوم القيامة".

والأربعاء الماضي، أرسلت الميليشيا وساطة جديدة بهدف احتواء الموقف، يقودها الزعيم القبلي الموالي للحوثيين الشيخ "صالح بن صالح الوهبي" أحد أبرز مشايخ المحافظة، فسلم له الحوثيون قائمتين من المطلوبين الأولى تحتوي على 11 مطلوبا والثانية تحتوي على عشرات آخرين، وبعد مفاوضات تم اتفاق الطرفين على وقف الحرب مقابل أن تسلم القبيلة من وردت أسماؤهم في القائمة الأولى فقط، فسلمت القبيلة ثلاثة من المطلوبين والتزمت الوساطة بتسليم الثمانية المتبقين في وقت لاحق.

لماذا الزوب؟ يرى الناشط السياسي والزعيم القبلي "أمين عارف القيفي" أن استهداف مليشيات الحوثي لقبيلة الزوب بالذات يأتي لموقعها الجغرافي الذي يتوسط قبائل قيفه، ولما تتميز به من شغف أبنائها للتعليم فمنهم الاستاذ الجامعي والبرفسور والطبيب والمهندس والمعلم، ويصل عدد أصحاب الشهادات العليا الدكتوراه والماجستير فيها الى الأربعين تقريبا.

ويضيف القيفي: "تجد أبناء قبيلة الزوب ناجحين ومتميزين في مجالات مختلفة فمنهم التجار والمستثمرون واصحاب رؤوس الأموال، ومنهم من يمتلكون المؤسسات التي تضم مئات الأيادي العاملة". ويتابع: "قرية الزوب قرية منتجة وهي الصورة المشرقة في بلاد قيفة من يدخل إليها يصاب بالدهشة لما يرى فيها من نهضة عمرانية وبنية تحتية تؤهلها أن تكون مدينة وليس قرية صغيرة، واستهدافها هو استهداف للعلم والسلم والمعرفة كما هو استهداف لقيم القبيلة النبيلة". بحسب أمين.

مراحل الصراع مر صراع أهالي قرية الزوب مع الميليشيا بأربع مراحل، بدأت مع اجتياح الميليشيا لمناطق قيفه في نهاية شهر أكتوبر من العام 2014م حينها حاولت المليشيا اقتحام القرية وتصدى لها أبناء القبيلة، واندلعت فيها مواجهات أوقعت ثلاثة قتلى من القبائل وعدداً من عناصر الميليشيا.

في بداية العام 2015م غيرت الميليشيا من طريقتها وأكدت رغبتها في التعايش السلمي مع أهالي القبيلة الذين وافقوا على ذلك حرصاً منهم على تجنيب المنطقة الحرب والخراب، واتفق الطرفان على ذلك، لكن المسلحين الحوثيين بدأوا في التضييق على الأهالي وممارسة القمع وفرض السيطرة بالقوة.

يقول مصدر قبلي تحدث لـ"المصدر أونلاين"، بدأ الحوثيون بالتوافد على المساجد أفراداً ثم بشكل جماعي ثم بأطقم عسكرية ومن ثم فرضوا خطيباً للجمعة بالقوة، ثم جاؤوا بقوائم مطلوبين وقاموا باعتقالات تعسفية وفجروا منزلاً واقتحموا المدرسة وتمركزوا فيها ونهبوا عدداً من السيارات واقتحموا عدداً من المنازل وفرضوا حظر تجوال في الليل وأرهبوا الناس وأرادوا إذلالهم واستعبادهم، ثم بدأوا بفرض جبايات على المزارع، حينها طفح الكيل.

عقب ذلك، اندلعت وفق المصدر، "ثورة عارمة" منتصف العام، حيث ثار الأهالي في وجه الميليشيا ودارت معارك عنيفة استخدمت فيها كافة الأسلحة وشنت الميليشيا قصفاً على منازل المواطنين براجمات الصواريخ ما أدى لنزوح جميع الأسر من القرية، لكنها انتهت بإجبار الميليشيا على المغادرة من القرية ومحيطها.

المرحلة الثالثة كانت الأشد والأقسى حيث عاودت الميليشيا هجومها على المنطقة في مارس 2016، حاصرت القرية لمدة تزيد على أسبوعين، وقتلت واستهدفت كل شيء، يقول المصدر: حتى خزانات مياه الشرب في اسطح المنازل وشبكات الاتصالات للهاتف الثابت وخطوط الكهرباء ومنعت إسعاف الجرحى المدنيين من النساء والأطفال في ظل غياب تام لمنظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية وتعتيم إعلامي كبير، ومع ذلك عجزت عن السيطرة على القرية رغم تكبدها خسائر كبيرة.

المرحلة الرابعة، هي المعركة الأخيرة التي لم تكد تنته، حيث لازالت القرية محاصرة والحوثيون ينتظرون تسليم بقية من يصفونهم بالمطلوبين، ولا تزال معارك الوساطات والاتفاقات والنيران مفتوحة على مصراعيها. وأمس الجمعة، توفي أحد الجرحى يدعى "عبدالله مفتاح الدعور الزوبه" داخل القرية، متأثراً بجراحه التي أصيب بها قبل ستة أيام، فيما لم تسمح الميليشيا بإسعافه، يقول مصدر محلي لـ"المصدر أونلاين": "كنا نعرف أنهم با يعتقلوه هو وذي معه لو سمحوا لنا نسعفه، لكن قلنا سهل المهم يعيش، بس ما سمحوا لنا نسعفه".

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)