توالت الاتهامات المباشرة والمبطنة للحوثيين في اليمن بتهريب المخدرات؛ إذ يأتي تحذير السفارة البريطانية من تحويل اليمن إلى سوق رائجة للمخدرات في المنطقة، بعد أسابيع من إعلان أميركي عن حجم تهريب المخدرات إلى الجماعة؛ التي اتخذت بدورها من اليوم العالمي لمكافحة المخدرات مناسبة لادعاء إحراق كميات ضخمة منها، وتنظيم فعاليات للتوعية بمخاطرها، في محاولة لتبرئة ساحتها من استخدام المخدرات للإثراء واستقطاب الموالين والمقاتلين.
وبمناسبة اليوم العالمي الذي صادف 26 يونيو (حزيران)؛ قالت السفارة البريطانية إن اليمن «بات سوقاً رائجة لأنواع كثيرة من المخدرات في المنطقة»، و«أن التهريب لمثل هذه السلع يغذي الصراع والجريمة المنظمة، كما يزعزع المجتمعات».
وشارك حساب السفارة على «تويتر» تغريدة للمتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ذكرت فيها أن سفينة صاحب الجلالة «لانكستر»، التابعة للبحرية البريطانية، ضبطت ما تفوق قيمته 10 ملايين جنيه إسترليني من المخدرات، وذلك في 3 حوادث منفصلة في المحيط الهندي وفي الخليج، قادمة من إيران.
وأواخر مايو (أيار) الماضي، كشفت مصادر أميركية عن تجاوز حجم تهريب المخدرات من إيران إلى الانقلابيين الحوثيين ما قيمته مليار دولار خلال العام الماضي، وأن ما تتمكن القوات الأميركية وحلفاؤها من اعتراضه لا يتعدى نصف الكمية التي يتم تهريبها إلى الانقلابيين الحوثيين.
وأضافت المصادر أن الحوثيين حصلوا خلال الأشهر الماضية على معدات لبناء مصانع لإنتاج الكبتاغون في مناطق سيطرتهم، وهم يعملون على إعادة تهريب المخدرات إلى المنطقة، وهدفهم إغراقها بها والاستفادة من الأموال.
وسبق الكشف عن هذه المعلومات؛ إعلان قيادة الأسطول الخامس في البحرية الأميركية خلال الشهر نفسه، اعتراضه رفقة قطع من البحرية البريطانية كثيراً من المهربين، وكميات كبيرة من المخدرات في خليج عمان وبحر العرب. وتتضمن الشحنات التي تم اعتراضها الهيروين والميتافيتامين قادمة من ميناء شهبار في إيران.
وحسب المتحدث باسم الأسطول الخامس الأميركي، تيم هوكينز؛ فإن ما تم ضبطه من المخدرات حينها يصل سعره إلى 130 مليون دولار، وكانت موجهة إلى اليمن والمنطقة؛ حيث تستعمل الأموال الناتجة عن الاتجار بها في أعمال غير شرعية، كتهديد الأمن الإقليمي وتمويل الإرهاب.
وعقب نشر هذه المعلومات بأيام؛ ضبطت قوات خفر السواحل اليمنية في محافظة المهرة (شرق) سفينة تحمل العلم الإيراني، محملة بكمية من المخدرات تبلغ 3 أطنان من الحشيش المخدر، و173 كيلوغراماً من الهيروين، وعلى متنها 7 بحارة إيرانيين.
إتلاف مزعوم
في مقابل ذلك، كررت الميليشيات الحوثية مؤخراً إنتاج مشاهد إحراق ما زعمت أنه كميات من المخدرات التي دخلت مناطق سيطرتها عبر التهريب، حسب مزاعمها، وهي العادة التي درجت عليها خلال السنوات الماضية، لنفي تورطها في نقل المخدرات وتهريبها والمتاجرة بها داخل البلاد وفي المنطقة.
يثير الحوثيون السخرية بمزاعم إحراق المخدرات... وتظهر كميات كبيرة من إطارات السيارات خلال مشاهد الإحراق (إعلام حوثي) وزعمت الميليشيات عبر وسائل إعلامها إتلاف أكثر من 1.3 مليون حبة مخدرة نوع بريغابالين، في محافظة عمران شمال العاصمة صنعاء، وأكثر من 12 طناً من الحشيش، و212 ألف حبة كبتاغون، إلى جانب أكثر من مليوني حبة بريغابالين، وأكثر من 8 آلاف أمبولة مخدرة، في مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء).
كما ذكرت الميليشيات في مزاعمها حصر المواد المضبوطة والمحرزة في محافظة الجوف، والخاصة بالمتهمين المجهولين والفارين من وجه العدالة، ومقيدة في 96 قضية، وأن هذه الكمية كانت قادمة من المناطق المحررة ليتم توزيع كميات منها في مناطق سيطرة الميليشيات، وتهريب البقية إلى دول الجوار.
وتتناقض رواية الميليشيات حول تهريب المخدرات إلى دول الجوار، وفي مقدمها السعودية؛ مع اتهام هذه الدول التي تقود تحالف دعم الشرعية في اليمن، بتهريب المخدرات إلى اليمن، في حين يثير حديثها حول المتهمين المجهولين بتهريب المخدرات الاستغراب والسخرية.
ويقول مصدر قضائي يمني إنه من غير المنطقي الحديث عن ضبط هذه الكمية من المخدرات دون إلقاء القبض على جزء من شبكة تهريبها، لافتاً إلى أنه على اطلاع، بحكم منصبه؛ بإقدام الميليشيات الحوثية نفسها خلال السنوات السابقة على الإفراج عن عدد من السجناء المتهمين بتهريب المخدرات، والتعاون معهم.
ترويج مجاني
المصدر الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته، بحكم عمله في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، أشار إلى اتهام الميليشيات لدول الجوار بتهريب المخدرات إلى اليمن لإعادة تهريبها إليها، وحسب رأيه؛ فإن منتج هذه الرواية «افتقد التركيز ولم ينتبه إلى تناقضاتها».
ونبَّه المصدر إلى أن تدفق المخدرات إلى اليمن في السنوات الأخيرة لا تخطئه العين حسب وصفه، إلى درجة أنه يتم المجاهرة ببيعها أو تعاطيها علناً، مؤكداً أن كثيراً من الحوادث الأمنية والملفات القضائية في مناطق سيطرة الميليشيات تخص تجارة وتعاطي المخدرات، إلا أنه نادراً ما تكتمل الإجراءات الأمنية والقضائية بشأنها.
ويرجح المصدر -بناء على اطلاعه- أن إغلاق ملفات قضايا المخدرات دون البت فيها أو حسمها، يهدف لتمكين المخدرات من التغلغل في أوساط المجتمع من ناحية، ولعدم الكشف عن المسؤولين عن نشرها والمتاجرة بها من ناحية ثانية، ولابتزاز صغار المتاجرين بها ومتعاطيها، واستغلالهم في مهام تخدم مشروع الميليشيات.
ويضيف المصدر أن المعلومات والشواهد متواترة عن استخدام الميليشيات للمخدرات في استدراج الشباب والأطفال، وتجنيدهم للقتال معها، بعد تمكن عناصرها من إغوائهم والتسبب في إدمانهم. وقال إن ذلك يفسر انتشار كميات منها مجاناً؛ حيث يهدف المسؤولون عن توزيعها إلى زيادة أعداد المدمنين، وتحويلهم إما إلى مصدر دخل، وإما للحصول على ولائهم وطاعتهم.