الرئيسية > اخبار وتقارير > سياسيون: الظروف الداخلية والإقليمية غير مهيأة لاستئناف مشاورات السلام اليمنية

سياسيون: الظروف الداخلية والإقليمية غير مهيأة لاستئناف مشاورات السلام اليمنية

في خطوة مفاجئة للجميع، بمن فيهم حلفاء واشنطن الرئيسيون، وفي ظلّ توقف مشاورات السلام اليمنية أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 6 مايو/أيار الحالي، وقف القصف على جماعة الحوثيين في اليمن، قبل أن تعلن الخارجية العُمانية عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الجماعة والولايات المتحدة. وأشارت الخارجية العُمانية في بيانها إلى "حدوث مناقشات واتصالات أجرتها سلطنة عُمان أخيراً مع الولايات المتحدة والسلطات المعنية في صنعاء بالجمهورية اليمنية (جماعة الحوثيين) بهدف تحقيق خفض التصعيد". وأضافت الخارجية العُمانية أن هذه الجهود أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين، "وفي المستقبل، لن يستهدف أي منهما الآخر، بما في ذلك السفن الأميركية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي إلى ضمان حرّية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي". وحظي الاتفاق بترحيب الأمم المتحدة وكل من مصر وقطر والسعودية والإمارات والكويت والعراق والأردن وإيران، على اعتبار أنه سيُنهي حالة التصعيد العسكري في منطقة البحر الأحمر والذي أثّر على الملاحة الدولية.

وعقب ذلك بيوم، أعلنت الخارجية العُمانية، عن "عقد جلسة المشاورات السياسية بين سلطنة عُمان والجمهورية اليمنية، لبحث إمكانية استئناف عملية السلام، وتبادل وجهات النظر حول مستجدات القضية اليمنية والسبل الكفيلة باستئناف العملية السلمية، للوصول إلى حلّ عادل وشامل في اليمن يراعي مصلحة كافة الأطراف دون استثناء". مع العلم أن مشاورات السلام اليمنية متوقفة بسبب الهجمات التي تشنها جماعة الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

 

ومثل اتفاق مسقط بارقة أمل بحدوث انفراجة سياسية تلوح في الأفق بالنسبة للأزمة اليمنية التي ازدادت تعقيداً مع وقوف لاعبين دوليين حجر عثرة في طريق مشاورات السلام اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة، خصوصاً مع التصعيد الذي مارسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد جماعة الحوثيين عبر تصنيفها جماعة إرهابية دولية في يناير/كانون الثاني الماضي، وشنّ غارات جوية ضدها منذ منتصف مارس/آذار الماضي.

فتور حيال العملية البرّية في اليمن

كما ساهم بتعقيدات الملف السياسي للأزمة اليمنية تزايد التحذيرات من عودة الأعمال العسكرية المتوقفة منذ إبريل/نيسان 2022 حيث جرى الحديث عن إمكانية تدخل عسكري برّي ضد الحوثيين. لكن الحديث عن عمل عسكري برّي في اليمن لم يجد حماسة من دول الإقليم التي ظل موقفها داعماً لجهود السلام، حيث التقى السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، في 21 إبريل الماضي، رئاسة هيئة التشاور والمصالحة في اليمن (المساندة للمجلس الرئاسي وأنشئت عام 2022)، وأمناء الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، مؤكداً أن اللقاء يأتي "استمراراً لدعم المملكة لجهود السلام والمصالحة الوطنية الشاملة، وتثبيت الاستقرار في اليمن".

وتبقى جهود إحياء مشاورات السلام اليمنية مرتبطة برغبة الأطراف الإقليمية، والتي يبدو أنها لم تتغير كثيراً، على الرغم من اتفاق مسقط الذي أكد الحوثيون أنه "لا يشمل (إسرائيل) وأن عمليات إسناد غزة ستستمر حتى إيقاف العدوان الإسرائيلي، ورفع الحصار عن غزة، والسماح بدخول المساعدات"، وهذا الموقف سيمثل تحدياً للجهود الهادفة للعودة إلى مشاورات السلام اليمنية التي كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، قد كشف عن ملامحها العامة نهاية العام 2023. وكان غروندبرغ قد أعلن في ديسمبر/ كانون الأول 2023 عن توصل الأطراف للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف مشاورات السلام اليمنية تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكداً أنه سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خريطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها.

 

وأكد المبعوث الأممي أول من أمس أن خريطة الطريق الخاصة بالأزمة اليمنية لا تزال سارية، وتظل ثابتة تماماً، وأنه "لا يمكن تحقيق السلام والأمن الحقيقيين في اليمن إلا من خلال الالتزام الدولي والتنسيق ونهج مشترك وطويل الأمد". وقال غروندبرغ، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، إن اليمن "يبقى بحاجة إلى عناصر خريطة الطريق من وقف إطلاق للنار، والتعافي الاقتصادي، وعملية سياسية جامعة للمضي قدماً"، مضيفا أن "بيئة الوساطة قد شهدت تغيرات كبيرة منذ أواخر عام 2023، وأن هناك حاجة لضمانات إضافية تمكن الأطراف من المشاركة وتضمن دعم المنطقة، والمجتمع الدولي، وهذا المجلس". واعتبر أن الإعلان الصادر عن وقف الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله (الحوثيين) يشكل "فرصة مرحبا بها ينبغي البناء عليها بشكل جماعي لإعادة تركيز الجهود نحو حل للنزاع في اليمن وتعزيز عملية سلام يقودها اليمنيون". وشدد غروندبرغ على أن التهدئة في البحر الأحمر والمنطقة بشكل عام "أمر لا غنى عنه لإعادة اليمن إلى مسار السلام".

ورأى أستاذ الاجتماع السياسي معن دماج، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المبعوث الأممي إلى اليمن لم يلعب أي دور ذي أهمية في أي وقت من الأوقات، وحتى مبادرته المزعومة للتسوية لم تكن سوى اتفاق سعودي حوثي، لم يجد المبعوث الأممي حرجاً من إخراجها باسمه، رغم أنه غالباً لم يعلم بها، ولم يؤخذ رأيه بأي من نقاطها مثله مثل الحكومة الشرعية"، وفق اعتقاده. وأشار إلى أن الحديث عن عملية السلام في اليمن أصبح من الماضي، وحتى في الماضي كانت عمليةً تفتقر إلى الجدية، لافتاً إلى أن "القصف الأميركي وقبله العقوبات، أدت إلى إضعاف الحوثيين، وتآكل قوى الجماعة وأدوات سيطرتها، وبالتالي فإننا في بداية مسار انحدار الحوثيين، سواء تبعت ذلك عملية برّية أم لا، والهجوم الأميركي ألغى أي إمكانية للسير في المشروع السابق للتسوية والتي كانت عموماً تصب في مصلحة الحوثيين". وبرأي دماج فإن "الحكومة الشرعية تفتقر إلى كل إرادة وقدرة على المبادرة للاستفادة من التغيرات، رغم تعزز وضعها عموماً بسبب ضعف الحوثيين عسكرياً وسياسياً، ولعل أملها الوحيد أن تتعثر الحملة الأميركية أو تتأخر نتائجها لتصبح قوة لا يمكن الاستغناء عنها، ويصبح دعمها وإشراكها في العملية الجارية مصلحة دولية وإقليمية".

مستقبل مشاورات السلام اليمنية

في المقابل، اعتبر المحلل السياسي سعيد عقلان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحوثيين ومن خلال اتفاق مسقط نجحوا في الحصول على اعتراف ضمني من الإدارة الأميركية، ويمكن أن يتطور ذلك إلى الاعتراف الرسمي بالجماعة سلطة أمر واقع، وهذا مرتبط بعوامل عدة، أبرزها ما يمكن أن يقدمه الحوثيون لخدمة المصالح الأميركية والمصالح الخاصة بحلفاء أميركا في المنطقة، كما يرتبط بنتائج المفاوضات بين إيران والإدارة الأميركية والتي بلا شكّ فإنها تناقش موضوع جماعة الحوثيين حليفاً رسمياً لإيران يهدّد الملاحة الدولية في البحر الأحمر ويستهدف الحليف الأبرز لأميركا والمتمثل بالكيان الصهيوني". مع العلم أن تسريبات إعلامية أشارت أخيراً إلى ضغوط مارستها إيران على الحوثيين، ما أدى إلى إعلان ترامب وقف العمليات العسكرية، وذلك لتسهيل المفاوضات الأميركية الإيرانية.

وأوضح المحلّل السياسي أن "الحوثيين يؤمنون بأن قضيتهم الأساسية هي مع الداخل وليس مع الخارج، وبالتالي فالجماعة تعد الاتفاق مع الإدارة الأميركية إنجازاً سيمنحها صلاحيات في معركة الداخل ضد قوات الحكومة الشرعية، فعلى الأقل لن تهاجمهم الولايات المتحدة ولن تدعم عمليات عسكرية ضدهم من أي طرف، ولن تقف حجر عثرة في وجه أي تصعيد عسكري داخلي ينفذه الحوثيون".

وأعرب المحلل السياسي عن اعتقاده بأنه "على الرغم من دفع بعض الدول إلى استئناف مشاورات السلام اليمنية إلا أن الملعب حالياً غير مهيأ بشكل كامل للعودة إلى إحياء المشاورات، خصوصاً أن اتفاق مسقط استثنى إسرائيل، الحليف الأبرز للإدارة الأميركية في المنطقة، وما زالت عمليات الحوثيين ضد الأراضي المحتلة مستمرة، وهذا يعني أيضاً استمرار العدوان الإسرائيلي على اليمن الذي سيكون بشكل أو بآخر بالتنسيق مع الإدارة الأميركية"، وفق رأيه. 

وبرأي عادل دشيلة، زميل ما بعد الدكتوراة في المركز الشرق أوسطي للأبحاث، بجامعة كولومبيا، في حديثه لـ"العربي الجديد" فإن العمليات العسكرية كانت لتحقيق الأهداف الأميركية، وهي حماية المصالح في البحر الأحمر والمصالح الأميركية في المنطقة وأمن إسرائيل. واعتبر أنّ من يستطيع أن يضغط على جماعة الحوثيين للمجيء إلى طاولة التفاوض هي القوى اليمنية الأخرى، الخصم المحلي للجماعة، وفي حال شعرت الجماعة بأن موازين القوى على الأرض قد اختلت، بالإمكان حينها أن تأتي إلى طاولة المفاوضات مع اليمنيين". أما غير ذلك، فيعتبر أن الجماعة تستثمر في الضربات الأميركية والإسرائيلية لتعزيز موقفها المحلي. واستبعد دشيلة "قبول الحوثيين بأي حوار سياسي داخلي يفضي إلى شراكة سياسية تحافظ على مصالح جميع اليمنيين، بمن في ذلك جماعة الحوثيين نفسها، لأن لدى الجماعة تخوفاً من أي تسوية سياسية وتظن أن أي تسوية تعني الانتقام منها، ولهذا هي تريد أن تقاتل حتى آخر لحظة"، وفق رأيه.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)