2015/05/24
كيف ساهم صالح والحوثيون في إطالة عمر معاناة اليمنيين ؟

يمرالشعب اليمني منذ سيطرة جماعة "أنصار الله" على العاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر الماضي، بأزمات بعضها فوق بعض، زادت حدتها مؤخراً بعد إصدار الحوثيين ما يعرف بـ"الإعلان الدستوري" بداية فبراير الماضي، والذي اعتبره البعض استكمالاً للانقلاب الذي قادته الجماعة بالتنسيق الكامل مع النظام السابق على كافة المستويات.

 

وازدادت معاناة اليمنيين، مع استمرار تحركات الحوثيين، وحربهم الغير مبررة ، في عدة محافظات، تحت لافتةً محاربة "الدواعش" و "التكفيريين"، و "القاعدة"، وهو ما لم يعد ينطلي على غالبية أبناء الشعب اليمن.

 

كما أنه منذ بدء سيطرة الحوثيين على القرار السيادي في البلد، انسحبت معظم دول العالم من اليمن، من خلال سحب ممثلياتها من اليمن، وكذا أوقفت برامجها الاستثمارية، وبرامج المنح والقروض، وغيرها من أشكال العلاقات الاقتصادية والسياسية مع اليمن.

 

لكن معاناة اليمنيين، لم تصل ذروتها إلا حينما بدأت جماعة الحوثي، بفتح أبوب اليمن لجمهورية إيران الإسلامية، في الوقت الذي أغلقتها في وجه دول العالم، وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي، وبالذات المملكة العربية السعودية، بل وزادت جماعة الحوثي، أن مارست الكثير من الاستفزازات بحق دول الجوار، وفي المقدمة المملكة، دون أن تتحلى بأي قدر من الفطنة والذكاء السياسي والتاريخي.

 

ومع كل منعطف خطير قادت جماعة الحوثي وحليفها اللدود علي عبد الله صالح البلاد إليه، كانت تتضاعف معاناة اليمنيين، حتى صارت الحياة في بعض المناطق، وبالنسبة لقطاع واسع من اليمنيين، لا تطاق، بسبب تصاعد الاضطرابات الأمنية، وانسداد الأفق السياسي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ اليمن، وكذا اشتداد وطأة الأزمة المعيشية على غالبية اليمنيين، خصوصا مع الانعدام المستمر للمشتقات النفطية، والغاز المنزلي، وانقطاع الخدمات وفي المقدمة خدمة الكهرباء.

 

وإلى جانب كل ما سبق، دخل قطاع الاقتصاد، في نفق مظلم، بسبب الجمود والعزلة التي تسبب بها الحوثيون وحلفائهم، وهو ما ألقى بضلاله على معظم اليمنيين، بسبب توقف مصادر الدخل لديهم، بعد توقف حركة الاستثمار والتجارة، حتى قطاع الأعمال الصغيرة والحرف والمهن الحرة، لم تسلم من طوفان الانهيار الذي بدأ ينهش تدريجيا في جسد الدولة، وكذا أجساد اليمنيين.

 

عاصفة المعاناة

كانت دول الخليج، على دراية مستمرة بكل تحركات الحوثيين، ابتداء بخروجهم من صعدة، خلال حرب دماج، وحتى تمكنوا من إحكام السيطرة على مقاليد السلطة، وبحسب مراقبين، فقد كانت طفرة الحوثيين ذات وقع مفاجئ للخليجيين، الذين هم رعاة المبادرة الخليجية، إذ لم يتوقعوا أن يصل حلفاء إيران، الذين كانوا إلى قبل أشهر قليلة، لا يمتلكون القدرة على الخروج خارج حدود صعدة، لم يكن يتوقعوا أن يتمكنوا من السيطرة على اليمن، وعلى القرار السيادي، ويصبح كل شيء في أيديهم.

 

وحينما وجدت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها أمام هذا الخطر الداهم، قررت التحرك، لكن هذه المرة، عسكرياً، وفعلا شكلت المملكة العربية السعودية تحالفا إقليميا يضم 10 دول عربية وإسلامية، انضمت إليه لاحقا دولتين، وبدأت بضرب جماعة الحوثي، والقوات الموالية لعلي عبد الله صالح.

 

لكن، ولأن الوضع في اليمن متشعب، ومتشابك، إلى درجة التعقيد، لم يقتصر أثر عمليات التحالف على الحوثيين، وحليفهم علي عبد الله صالح، بل يرى آخرون أن الحوثيين ربما هم المستفيد الأبرز مما يحدث، بسبب عدم امتلاكهم ما يخسروه، كونهم لم يحملوا ولن يستطيعوا حمل المسؤولية في إدارة شؤون البلاد وتصريف أعمال الدولة.

 

وفعلا كان الشعب اليمني هو الخاسر الأكبر جراء هذه العمليات التي تقترب من شهرها الثالث، حيث سقط الكثير من الضحايا إما بفعل غارات التحالف العربي، أو بسبب حالة الانتقام العدواني من قبل مليشيات الحوثي في عدة محافظات، فضلا عن نزوح مئات الآلاف من مناطق النزاع، أو المناطق المستهدفة، في معظم المحافظات.

 

وفوق كل هذا.. اشتدت الأزمة المعيشية ضيقا، بسبب الحصار الذي فرضته دول التحالف العربي على اليمني، برا وبحرا وجوا، حتى أنه لم يعد يدخل إلى اليمن أي سلع أو مواد غذائية، ولا حتى تحويلات مالية، كوسيلة من وسائل الضغط على الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح، لإجبارهم على القبول بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 والاتفاقات الموقعة من قبل جميع الأطراف، بما فيهم صالح والحوثيين، والقاضية بوقف القتال، والانسحاب من جميع المحافظات، وتسليم السلاح والانخراط في العمل السياسي، وبدء حوار جدي، على أساس مخرجات الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة.

 

إغاثة المتمردين

منذ بدأت عمليات التحالف ابتداء بـ"عاصفة الحزم" في 26 مارس، ومرورا بـ"إعادة الأمل"، وحتى اليوم، كان اليمنيين يدفعون ثمن تمرد جماعة الحوثي على الشرعية الدستورية، وعلى الاتفاقات التي وقعت عليها، بل وفرضتها هي، مثل اتفاق السلم والشراكة، وكذا القرار الأممي رقم 2216.

 

فمنذ قرابة شهرين، انقطعت الكهرباء بشكل شبه كلي في معظم المحافظات، في الوقت الذي انعدمت أيضا المشتقات النفطية، والغاز المنزلي، وبشكل لم يسبق له في تاريخ اليمن مثيل، بل وانتقلت أزمة المشتقات النفطية والكهرباء، من المواطن، إلى المصالح الحكومية السيادية والتي لا يمكن الاستغناء عنها، كالمستشفيات، والمؤسسات الحكومية والاتصالات وغيرها، الأمر الذي جعل حياة الآلاف على المحك.

 

ومع تصاعد حدة الضربات العسكرية التي يشنها التحالف، على الأهداف الموالية للحوثي وصالح، إما معسكرات أو مخازن أسلحة، أو منازل أو مؤسسات حكومية، أو ثكنات مسلحة، كان الحوثيون وقوات صالح، يسومون أبناء محافظات الوسط، والجنوب والشرق، سوء العذاب، من خلال حرب إبادة لم تستثني طفلا ولا امرأة.

 

وحينما أُعلن في 12 مايو الجاري، عن هدنة إنسانية تستمر خمسة أيام، تنفس اليمنيين الصعداء، بعد أن بلغت القلوب الحناجر، بسبب انعدام كل مقومات وأسباب الحياة، إلا أن اليمنيين، لم يتأثروا بالهدنة، ولم يحصلوا على احتياجاتهم، رغم رصد قرابة 274 مليون دولار كإغاثة عاجلة، وبدا وكأن الهدنة، وجدت لإغاثة المحاربين الحوثيين، وتزويدهم بالمشتقات النفطية، وغيرها من الاحتياجات، بل ومكّنت لهم من إعادة التموضع، ونقل السلاح والعتاد من المخازن التي لم تكن قد وصلت إليها غارات التحالف، إلى المحافظات الجنوبية كعدن والضالع وأبين ولحج، والمحافظات الوسطى كتعز وغيرها من المحافظات، فضلا عن عدم التزام الحوثيين بالهدنة، واستمرارهم في القتل والتدمير والاستهداف للأرض والإنسان في تلك المحافظات.

 

وهذا ما أكده التحالف العربي عقب استئنافه عمليات القصف، بعد انتهاء الهدنة، حيث أعلن أن نتائجها كانت عكسية بسبب عدم التزام الحوثيين وحلفائهم بالهدنة، واستمرارهم في نقل الأسلحة، ونهب المشتقات النفطية، وغيرها من مواد الإغاثة.

 

تعميق الأزمة

منذ بدأ التحالف عملياته، وضع لها أهداف، في مقدمتها إذعان من وصفهم بالمتمردين للشرعية الدستورية، ووقف عملياتهم المسلحة، وانسحابهم من جميع المناطق التي احتلوها، ومن ثم البدء بتنفيذ مخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة وقرار مجلس الأمن، وفي مقدمة ما نصت تلك الاتفاقيات عليه، تسليم السلاح والانخراط في العمل السياسي.

 

لم يبدِ الحوثيين أي اكتراث لتلك المطالب، بل وأمعنوا في تعميق الأزمة، من خلال تصويرها على أنها حرب مقدسة، ضد "قرن الشيطان" والخونة من أبناء اليمن، علما بأن كل من لا يؤمن بنهج وتحرك الحوثيين، هو عميل وخائن.

 

ولم يتوقف الحوثيين، عن استهداف المحافظات والمناطق، والسكان، بل ورفض الحوثيين أي جهود لوقف معاناة اليمنيين، وبطريقة أصابت غالبية اليمنيين باليأس، كون غالبية اليمنيين، حتى ممن هم ينتمون لحزب المؤتمر، أو لديهم تعاطف مع الحوثيين، يرفضون الاستمرار في المغامرة على حساب حياة الملايين.

 

وفعلا تحول امتعاض الناس، الذي كان في البداية همساً، تحول إلى حديث عام، في الطرقات والأماكن العامة، وأمام محطات الوقود والغاز، وفي المقايل، وغيرها، حتى صار الجميع يقولون إلى متى ؟، ألا يكفي ..؟

 

الزعيمان والأزمة

قبل حوالي أسبوعين ظهر "الزعيم" علي عبد الله صالح، في خطاب على أطلال منزله الذي تعرض لقصف عنيف من قبل التحالف العربي، وبينما كان اليمنيين، ينتظرون منه مبادرة لإنهاء هذا الكابوس، ظهر محرّضا، وداعية حرب، حتى أنه دعا إلى حمل السلاح، وإلى ما يمكن وصفه بالتعبئة العامة، بل والحرب الأهلية أيضا.

 

زعيم الحوثيين، هو الآخر، ظهر قبل عدة أيام، وكان الناس ينتظرون مبادرةً منه لوقف المأساة، وحمام الدم الذي تشهده اليمن، لكنه بدا غير مكترث، بل تجاوز ذلك إلى مطالبته بفتح باب التجنيد في الجيش، واستحداث وحدات عسكرية جديدة، لمواجهة ما وصفها بـ"المؤامرة" التي تقودها السعودية على الجيش اليمني.

 

ومن خلال خطاب الرجلين، لا يبدو أنهما يكترثان كثيرا لما يعانيه اليمنيين، وكل ما يهمهما هو مصالحهما الذاتية، مهما كانت العواقب.

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://mandabpress.com - رابط الخبر: https://mandabpress.com/news10900.html