يقف عبدالعزيز جباري وهو أمين حزب العدالة والبناء في الطرف المقابل لطاولة رئيسه في الحزب محمد أبو لحوم بمؤتمر جنيف اليمني، حيث يقف أحدهما في صف المتمردين المسيطرين على صنعاء ، والآخر على رأس وفد حكومة هادي بالرياض ، في مشهد يجسد عمق المأزق الذي تعيشه النخب اليمنية في انتظار من سيحسم أولاً .
ليس في السياسة وحدها تتوزع الأدوار للحفاظ على المصالح ، بل حتى في القبيلة الواحدة ، والأسرة الواحدة ، والى جانبي جباري وأبو لحوم تقف عشرات الأسماء السياسية والقبلية في معركة كبيرة عنوانها "اصطفاف المصالح" ، في حين تشتعل البلاد بالحروب التي ربما قد تدخل تاريخاً طويلاً من الصراع .
السياسة والرقص على جيوب الثعابين
تحتفظ الذاكرة السياسية اليمنية لمقولة تاريخية للرئيس السابق علي صالح حينما وصف الحكم باليمن بأنه رقص على رؤوس الثعابين ، مع فقدان صالح للسلطة ونشوء تحالفه العسكري مع جماعة الحوثيين مطلع العام 2014م وسيطرتهم على العاصمة صنعاء وبروز قوة مضادة في العاصمة السعودية ستلجأ النخب اليمنية والشخصيات النافذة لممارسة ذات اللعبة في الرقص ولكن على جيوب ثعابين صنعاء والرياض .
يعلق يحيى الثلايا وهو صحفي ومسؤول حكومي سابق عن موقفي الرجلين الأول والثاني في حزب صغير مثل العدالة والبناء يقول " الشيخ الحداثي المناضل الزعيم محمد علي أبو لحوم رئيس حزب العدالة والبناء عضوا في حوار جنيف ضمن فريق الحوثي والمخلوع، وعبدالعزيز جباري أمين عام ذات الحزب عضوا في ذات الحوار ممثلا عن فريق هادي والرياض ".
يضيف في صفحته على الفيس بوك"كل هذا والحزب في ذاته لا زال دكانا وهمياً، هذه هي شغل السمسرة السياسية واحزاب النصف كم"، في اشارة الى عمر الحزب القصير الذي نشأ عقب انتفاضة 2011م ، من منشقين أغلبهم من حزب صالح .
وفي الجانب السياسي ايضاً ، تحضر أحزاب لها ثقلها الميداني الكبير ، كالحزب الإشتراكي اليمني ، حيث حضر الأمين العام السابق للحزب ياسين نعمان افتتاح انقاذ اليمن الذي أقيم في الرياض ، بينما اختار قادة آخرون من بينهم الأمين العام الحالي عبدالرحمن السقاف موقفاً متوارياً في المنطقة الرمادية ، وهي أقرب الى موقف الحوثيين .
وينتقل جانب التصريحات والمواقف الى الممارسة الفاعلة على الميدان ، حيث يشارك عضوان في المكتب السياسي للحزب الإشتراكي في قيادة جبهات للحوثيين ، أحدهما محمد المقالح عضو اللجنة الثورية عضو المجلس الشعبي للتعبئة وهو مجلس حربي ويضم أيضا بيدر عقلان.
وفي 7 مايو نفى المكتب السياسي للحزب اليساري اليمني علاقة الحزب بالذين التحقوا بهذا النوع من التشكيلات ، مشيرا الى أنهم يمثلون اشخاصهم, ويتخذون مواقفهم خلافا لقرارات الهيئات القيادية في الحزب، واقر احالة بيدر و محمد المقالح وطلال عقلان إلى للتحقيق بشأن المخالفات المرتكبة من قبلهم بحق البرنامج السياسي والنظام الداخلي .
أما الحزب الناصري الذي أعلن رسمياً مشاركته في مؤتمر انقاذ اليمن بالرياض، المؤتمر الذي هدف لإيجاد جبهة تحالف قوية لمساندة شرعية هادي ، كما حضره أيضا سلطان العتواني الأمين العام السابق للحزب وظهر الى جانب هادي في طلبه للتحالف بش غارات جوية، وعلى النقيض ظهر مسؤول بارز في الحزب وأعلن وقوفه ضد ما اسماه العدوان .
حيث أورد الحوثيون إسم محمد مسعد الرداعي الامين العام المساعد للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في قائمة المجلس الشعبي الحربي للتعبئة العامة ، وهو مانفاه الأخير ، لكنه أكد موقفه الرافض لما اسمها العدوان على بلادنا.
وفي مقابلة مع قناة المسيرة في تاريخ 19 مايو المنصرم يقول الرداعي معلقا على مواقف حزبه في مؤتمر انقاذ الرياض ان تلك مواقف التنظيم الوحدي الناصري لييس الحزب ،معتبرا اقراراه بالمشاركة في المؤتمر لـ"يدلي برؤيته ورأيه تجاه قضايا ومن أبرزها العدوان ".
القيادي الناصري بالخارج عبدالله الحكيمي يتجاهل في مقابلة صحفية نشرتها صحيفة صدى المسيرة في عددها بداية يونيو الجاري، العداء التاريخي مع الرئيس السابق علي صالح واتهام الناصريين له في ارتكاب مجزرة 1978 م بحق قيادات ناصرية حاولت الإنقلاب على نظام حكمه ، و يشيد بمواقفه ضد ما نعته بالعُـدْوَان ويصفه بالوطني.
وقال الحكيمي "مؤتمرُ الرياض ساعَد في فرز القوى بين الوطني والخياني، وهو يمثل لمن شارك فيه ذروة السقوط الوطني والأَخْلَاقي والسياسي وسيخلد التاريخ بأنهم نماذج لخيانة الأوطان واستحقوا مسمى “الرغاليون الجدد”"، حسب قوله .
سيوفهم مع صالح وقلوبهم مع هادي
في وسط المعركة التاريخية بين علي ابن طالب ومعاوية ، سأل أعرابي عن موقف الناس منه ومن معاوية ، في حين كان الجميع يستعدان للحرب ،فأجابه" إن قلوبهم معك وسيوفهم مع معاوية.."، تحولت هذه العبارة الى درس كبير في التاريخ الإسلامي ،حيث لخص المشهد الخطير بكلمات مختزلة وقليلة .
خلال الأحداث التي شهدتها العاصمتين عدن وصنعاء في الفترة الماضية ، ومن خلال الإعلانات العسكرية المؤيدة لشرعية هادي وحكومته ، اتضحت انها بيانات عاطفية مع هادي وذهبت السيوف والبنادق الى صف تحالف الحوثي وصالح تسقط المحافظات الواحدة تلو الأخرى وتسيطر على المشهد الذي بدا خاليا من هادي وحكومته بعد فراراهم الى الخارج .
في أواخر مارس المنصرم كانت اغلب القوات الموالية لهادي قد تعرضت لهزيمة قاسية ، قبل أن تتدخل الرياض لقيادة حلف عسكري عربي استهدف ضرب المنشئات والمواقع العسكرية اليمنية التي سيطر عليها تحالف الحوثي وصالح خلال فترة وجيزة .
عمل هذا العامل الطارئ على استقطاب مكونات قبلية وعسكرية جديدة حيث توزعت معظم القبائل اليمنية وبل وحتى زعماء قبليون من أسرة واحدة بين جبهتين ، على جبهة تحالف مليشيا الحوثي والقوات العسكرية الموالية للرئيس السابق علي صالح ، وجبهة المقاومة الشعبية الموالية لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته .
وفي فبراير المنصرم ، ظهر اللواء عبدالرحمن الحليلي وهو يرتدي بزته العسكرية، قائد المنطقة العسكرية الأولى الواقع مقرها في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت إنقلاب الحوثيين وصالح على الشرعية وإعلانهم لما يسمى بالإعلان الدستوري الذي أذيع من قصر الرئاسة بصنعاء .
وتجاهل حبنها الحليلي تجاهل الرفض الشعبي والرسمي بمحافظة حضرموت للتصرفات والخطوات التي تنتهجها جماعة الحوثي في تقويض الدولة وتهديد السلم الاجتماعي في البلاد ونكث العهود والخروج عن الاجماع الوطني التمثل في مخرجات الحوار الوطني .
وفي ابريل ، عاد اللواء الحليلي ليعلن ولاءه للشرعية اليمنية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي أمس، الأمر الذي وضع 15 ألف جندي في المنطقة الحدودية والجبلية في صف الرئيس هادي والتحالف العربي، قبل ان يتلقى اتهامات بدعم قوات صالح والحوثي في اسقاط عاصمة محافظة شبوة وهو الأمر الذي نفاه الأول .
وعلى خلاف الشيخ ياسر العواضي، الأمين العام المساعد لحزب صالح ، الذي حضر جنيف ضمن وفد صنعاء ، يقف عمه الشيخ عبدربه العواضي ، زعيم قبائل آل عواض في البيضاء الى جانب تحالف الشرعية في الرياض ، وخاض معارك عنيفة مع الحوثيين سقط خلالها نجله "جونه العواضي".
وأثار استيلاء الحوثيين على عاصمة محافظة الجوف في يونيو الجاري ، تساؤلات شائكة حول جدية بعض زعماء القبائل الذين أعلنوا دعمهم لشرعية هادي وتلقوا دعما مالياً وعسكريا وانخرطوا في صفوف المقاومة الشعبية قبل أن ينسحبوا في أول مواجهة عسكرية بين الطرفين في المحافظة المحاذية للمملكة .
وفي تصريح صحفي له اعتبر محمد سالم بن عبود محافظ محافظة الجوف اليمنية السابق، ان خيانة بعض رؤساء القبائل وضعف قيادات المقاومة ، كما أن ولاءات رؤساء بعض القبائل تبدلت مع اشتداد المواجهات مع ميليشيات جماعة الحوثي، وهو ما حذرنا منه في السابق، وطالبنا أن تكون هناك مرجعية موحدة للمقاومة.
وأضاف ان بعض زعماء القبائل كانوا يبحثون عن الدعم وليس الوقوف في وجه الحوثيين، الذين استطاعوا السيطرة على معظم مناطق محافظة الجوف، الا انهم لم يتمكنوا من السيطرة عليها بشكل كامل.
وفي هذه المساحة التي تسيطر عليها نفوذ قبائل بكيل وزعيمها التاريخي ناجي الشايف ، حضرت ذات المواقف المتبادلة بين سلطتي الرياض وصنعاء ، حيث أختار أبرز حلفاء الرياض التاريخيين ناجي الشائف الوقوف الى جانب سلطة صنعاء ورفض ما اطلق عليه العدوان السعودي ، كما نقل عنه مسؤول في جماعة الحوثي ، وعلى النقيض ظهر نجله محمد
ولقي موقف الشايف الأب ، اشادات مسوؤلين في جماعة الحوثي ، حيث أشاد رئيس العلاقات السياسية لجماعة الحوثيين، حسين العزي بمواقفه ، وقال ان منزل الأول استهدف بطيران للطائرات السعودية وان" إثبات سعودي ضد أي مواطن شريف في ربوع اليمن" وان "الشيخ الشايف أثبت من جهته أن الوطن أغلى من المنزل وأغلى من الولد، وفوق كل المصالح والصداقات".
وظهر الإبن في تصريحات متلفزة وصحفية من مقر اقامته بالرياض ، مشيدا بعمليات التحالف العربي باليمن، ومهاجماً الحوثي وصالح، حيث نعته بالمخلوع ، وابدى استعداده لمواجهة الحوثيين ، غير ان القبائل الموالية له لا تشارك في المواجهات في مناطق القبيلة بالجوف ومأرب ضد الحوثيين ويتهمها مراقبون بتسليم عاصمة الجوف لقوات صالح والحوثي.
وشن الشائف الإبن هجوما حادا على الحوثيين ، حيث قال إن هذه الجماعة اقترفت في حق اليمن واليمنيين ما وصفه بـ«حماقات كبيرة»، وأخذت اليمن بحروب تحت تسميات طائفية ومذهبية، أضر باللحمة الوطنية اليمنية، والنسيج الاجتماعي الواحد، موضحًا أنه «آن الأوان أن تتوقف تلك الجماعات المسلحة عند حدها، وتفسح المجال أمام الوطنيين والأنقياء من أبناء اليمن لإصلاح ما أفسدته أياديهم الملوثة».
وفي منتصف مايو المنصرم ، سيطر مسلحون موالون لزعيم قبلي مقرب من رئيس المجلس العسكري في تعز قائد اللواء 22 مدرع المعين من الرئيس هادي اللواء صادق سرحان ، حيث سيطر مقاتلوا العميد حميد سرحان على المدخل الشمالي لمدينة تعز في منطقة عصيفرة وشارع الستين.
مأزق المصالح وعدم معرفة كاتب تاريخ المعركة
التميمي
يرى الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي ان الإرتهان السياسي المرتبط بأداء النخب اليمنية ومنها القبلية جعلها في "مأزق حقيقي لم تواجهه منذ الحرب التي خاضتها الجمهورية ضد فلول الملكية في ستينيات القرن المنصرم".
ويشير التميمي في حديثه لمندب برس الى أن هذا المأزق يتمثل في مصالحها "الذي يرتبط بنفوذها الجهوي، وقد استثمرته جيداً خلال العقود الماضية، وحصلت على عوائد مجزية نظيره من الجارة القوية نظير محاربتها لليسار والقومية لتجد نفسها مدعوة لمواجهة عمقها القبلي الذي احتشد هذه المرة مع فلول القوى الملكية بتحريض من صالح الذي يريد استعادة السلطة بأية ثمن".
وينوه التميمي الى أن هذا المأزق اضطر النخبة لأن تقوم بتوزيع الأدوار والمتاجرة بالمواقف ، مستندة على " حالة متراكمة من الانتهازية السياسية تغذيها حالة عدم اليقين تجاه المستقبل، فهي لا تعلم من الذي سيحسم الموقف على الأرض وسيكتب التاريخ بعد المعركة".
ويعبر التميمي عن اندهاشه من "نخب تقيم علاقات مع أجهزة غربية وفضلت البقاء في صنعاء ، منخرطة ضمن المشروع الانقلابي الذي يديره صالح والحوثي، وهي التي كانت تتبنى مواقف مناهضة لهذا الحلف من قبل". يشير الى أنها أيضا مدفوعة بحساباتها الخاصة تقوم أيضاً بتنفذ أجندة خارجية.
ويرى أن الإشكالية تكمن في أن هؤلاء هم من يؤدون الأدوار الرئيسية في المشهد بالوقت الحالي، لكنه يتنبأ ببروز "قوى وشخصيات أصيلة من عمق هذا الشعب وتتصرف انطلاقاً من إيمانها بالقضية اليمنية وبحرية هذا الشعب وكرامته"، حسب الباحث التميمي.