يُجمع اليمنيون، على اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم، على أن الأزمة السياسية التي تعيشها بلادهم حاليا، وتداعياتها الاقتصادية الخطيرة، تركت آثارا سلبية على حياتهم المعيشية، أدت إلى تفاقم النفقات والأعباء الملقاة على عاتقهم، وذلك نتيجة للارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع والخدمات الأساسية.
"السوق السوداء" تنتشر والوضع المعيشي يتفاقم
اتّسعت رقعة "السوق السوداء" في اليمن، نتيجة الأزمة الحالية، وتفاقم الصراع، وبشكل غير مسبوق، لتشمل معظم السلع الرئيسية والتي لا يمكن للمواطنين الاستغناء عنها، كالغاز المنزلي، والبنزين والديزل، وحتى العملة الصعبة.
وقد أكد «مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي» بتقريره الاقتصادي الثاني الذي أصدره مؤخرا، أن الوضع المعيشي في اليمن يزداد سوءاً في ظل استمرار زيادة أسعار المواد الأساسية والغذائية وارتفاع نسبة البطالة، واتّساع رقعة الفقر.
التقرير تناول الوضع الاقتصادي والمعيشي خلال الفترة الحالية التي تعصف بالبلاد الحروب الداخلية التي أثارتها مليشيا الحوثي وصالح في أكثر من محافظة، وكذلك في ظل استمرار عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ضد الحوثيين وصالح، وهي العمليات التي انطلقت أواخر مارس الماضي، وتضمنت إلى جانب العمليات العسكرية، حصارا بحريا وجويا على اليمن.
التقرير أشار إلى اتساع رقعة السوق السوداء، فيما يتعلق بالسلع "السيادية" كالغاز والمشتقات النفطية، وغيرها، حيث أشار التقرير إلى أن سعر إسطوانة الغاز المنزلي، وصل إلى 400% من سعرها الرسمي خلال الأشهر الماضية.
وبحسب مواطنين، فإن سعر إسطوانة الغاز تجاوز 5 ألف ريال في العاصمة صنعاء، في الوقت الذي سعرها الحقيقي هو 1200 ريال، وخلال الأسابيع الماضية يشهد سعر الغاز المنزلي تذبذبا صعودا ونزولا بحسب رغبة المليشيا ولجانها الثورية.
ومؤخرا انتعشت "السوق السوداء" فيما يتعلق بالبترول والديزل، وبشكل لم يسبق له مثيل، حيث أصبحت المشتقات النفطية متوفرة في الأسواق السوداء، أضعاف أضعاف المحطات المخصصة للتعبئة، بل وبلغ الأمر أن ظهرت محطات متحركة لبيع الوقود، في مختلف شوارع العاصمة، وبأسعار تصر إلى 12 ألف ريال لكل 20 لتر، من البترول وكذلك الديزل.
الخيار المُر
لا تستطيع أن تتمالك نفسك وأنت تعبر جوار أحد الأسواق السوداء، لبيع المشتقات النفطية في العاصمة صنعاء، إذ تعتريك مشاعر الأسى والألم، حينما تجد المتاجرين في أقوات الناس، والسلع السيادية، يعرضونها بأسعار خيالية، بينما آلاف السيارات مركونة أمام المحطات التي لا تفتح بعضها مرة في الأسبوع، بينما أخرى لا تفتح سوى مرة في الأسبوعين، كما هو حاصل حاليا.
ولعله من المؤسف أن السوق السوداء تحولت مؤخرا إلى خيار الضرورة بالنسبة للمواطنين، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للشراء منها، بسبب عدم توفر الوقود في المحطات الرسمية.
حينما سألنا وبحثت عن أسباب تواجد مثل هذه الأسواق السوداء، أكد لنا الكثير ممن قابلناهم أن السبب في ذلك هو حلول المليشيا الحوثية مكان أجهزة الدولة، مشيرين إلى أن الكثير من تجار السوق السوداء هم قيادات أو أعضاء في هذه المليشيا، الأمر الذي سهل في انتشارها بهذا الشكل المهول.
مواطن حائر
يقول وبمرارة شديدة "أنا أملك سيارة أجرة، أظل طوال اليوم في الشوارع بحثا عن لقمة عيش لأولادي، ولكن حينما أحتاج إلى مادة البنزين (البترول)، فإني مضطر للقيام بأحد أمرين، إما أن أظل واقفا أمام المحطة لأيام للحصول على البنزين أو شرائها من السوق السوداء"، مشيرا إلى أنه ليس هناك فرق، ففي كلا الحالتين – بحسب قوله - فإنه الخسران، لأنه في المحطة يضطر لصرف الآلاف مصاريف يومية، بل ربما قد يخسر أحيانا أكثر مما لو ذهب لشراء الوقود من السوق السوداء.
عصابات السوق السوداء
تحولت "السوق السوداء" إلى سوقا رائجة، تجمع عصابات كبرى، يقودها أحيانا نافذون وقيادات محسوبة على السلطة الحاكمة، تستغل حاجة المواطن، للحصول على مزيد من الأموال، حتى أن أرباب "السوق السوداء" في المشتقات النفطية، باتوا لا يريدون أن تُحل هذه الأزمة، لأن ذلك يعني نهاية موسم الربح الخاص بهم.
لذلك، نجد أن عصابات السوق السوداء تستفيد أيما استفادة من هذا الوضع، دون أن تكترث للأضرار البالغة التي قد تلحق بالمواطن الكادح.
ووراء كل هذا الأسى، مافيا سياسية في أغلب الأزمات تتحكم باحتكار المشتقات النفطية لتحقيق مكاسب وأرباح تعود لصالح قطيع سياسي داخل سلطة المليشيا المسلحة.
سلطة المليشيات
وجود السوق السوداء في أي مكان في العالم يعني، أنه لا وجود للدولة، وأن البلاد لا يحكمها لا نظام ولا قانون، وهذا بالضبط ما يحدث في اليمن، حيث تسيطر المليشيا على مقاليد الحكم، وتعاملت مع كل شيء بعقلية العصابة.
إذا فالمليشيات هي التي تسيطر على مراكز القرار وعلى حاجات الناس وأقواتهم فأصبحت حاجات الناس مرتهنة في أيدي عصابات لا تملك غير ضميرا ولا إنسانية ، يهلك من هلك من المواطنين ويبقى من بقي.
الحوثيون ملوك السوق السوداء وهوامير النفط
يذهب كثير من المواطنين إلى مقرات مليشيا الحوثي، أو ما تعرف بمكاتب "أنصار الله" واللجان الشعبية، لتقديم شكاوى حول تعسفات أصحاب محطات الوقود، واحتكارهم للمشتقات النفطية، وقيامهم ببيعها في السوق السوداء.
لكن المشكلة هنا هو أن المليشيات نفسها هي التي تأمر أصحاب المحطات بالإحتكار لعائد يعود عليها وهو ما تسميه بـ(المجهود الحربي).
وهنا يقف المواطن وصاحب الحاجة مخذول ليس له ما يحميه في هذا الوطن من ملوك السوق السوداء وهوامير النفط.