اليمن تملك كل مقومات التفوق من موقع إستراتيجي ووفرة في اليد العاملة وتنوع في التضاريس وخامات وسواحل طويلة ومساحات من الأرض الزراعية الصالحة للزراعة، ومع كل تملكه من مقومات النجاح إلا أنها تصنف ضمن قائمة أكثر البلاد فقرا في العالم؟! فلماذا فشلت اليمن في بناء الدولة.
قصة الفشل بدأت عام 1978م حين اعتلى الرئيس المخلوع علي صالح زمام القيادة، حينها سارت اليمن مشوارها الطويل مع المعاناة والفقر وبدأ في صناعة الفشل حين صنع كتلًا سياسية متنافرة بث بينها أجواء العداء والنزاعات المستمرة وتحكم في خيوط لعبتها السياسية كي يبقى المتحكم الرئيس في لعبة التوازانات والتي أطلق عليها (الرقص فوق رؤوس الثعابين) واستمر الراقص 33 سنة وهي فترة حكمه.
عمد الرئيس المخلوع وحزبه إلى تهميش الكفاءات من أبناء المناطق المختلفة وسيطرت مديرية سنحان مسقط رأس الرئيس المخلوع على صناعة الحقائب الوزارية والقيادات الحكومية، باستثناءات قليلة، وعمد إلى تهميش متعمد للجنوب بشكل مزرٍ ومخل وجائر، وسيطر الحزب وأقارب المخلوع على مفاصل صنع القرار، وإدارة الأعمال والاستثمارات التي كانت من الممكن أن تشكل رافدًا مهمًّا للاقتصاد الوطني، وتحولت إلى مصالح خاصة.
في الوقت الذي لم تسلم الأحزاب أيضًا من الصناعة الهشة لتجميل نظام المخلوع مما أدى إلى ضعف عام في مقومات المجتمع وبنائه السياسي والتنموي.
عانت اليمن اقتصاديًّا أيام حكم المخلوع وظهر انعدام تكافؤ الفرص جليًّا في التعليم، والوظائف، والدخل العام، والتوزيع المتوازن للتنمية والثروة، وأدى انتشار الفساد وتراكم الديون إلى تردي العملة الوطنية واختلال الميزان التجاري، وارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 40% بحسب بعض التقارير، ليتحول أكثر من 60%من الشعب إلى ما دون خط الفقر،
وظل التدهور الحاد في الخدمات العامة والصحة والتعليم هو السمة البارزة خلال حكم المخلوع؛ مما أدى إلى هجرة بالملايين بحثًا عن لقمة العيش وفرص أفضل لحياة كريمة وعادلة.
مع إمكانات البلد الزراعية والنفطية وثروتها السمكية والفرص التي كان يمكن للاستثمار الأجنبي أن ينهض بها ظل الفساد الحكومي العائق الأكبر أمامها، وأمام المعونات الدولية ومنها منح من دول مجلس التعاون الخليجي والتي قدرت بالمليارات خلال فترة حكم المخلوع، ومع كل هذا الدعم تدهورت أوضاع البلاد كثيرًا ليضعها تقرير عن التنمية البشرية على المرتبة 168 من بين 184 دولة. لتكون بعد العراق والصومال في مستوى الفساد والفشل.
عانت اليمن كثيرًا من العبث السياسي خلال فترة حكم الرئيس المخلوع، فقد ظلت النخبة البارزة المكونة من المخلوع وحزبه والمنتفعين من حولهم كدولة داخل الدولة تملك قيادة المؤسسات الصلبة، وتتسلط على البلاد والعباد، وتسخر كل إمكانات الدولة لمصالحها الشخصية من خلال شبكة تحالفات نفعية برجماتية ضاربة القانون ووسائل التعبير بذراع الخوف.
كانت الضغوط على المواطن اليمني بالغة القسوة وهي التي مهدت لقيام الثورة ؛ فخرج الناس محتجين على هذه الأوضاع المأساوية المتردية، واندلعت الاحتجاجات في 15 يناير 2011 بمظاهرات طلابية ونشطاء حقوقيين في جامعة صنعاء على منظومة الفساد مطالبين بإسقاط رأس النظام علي صالح ومتخذين السلم شعارًا لهذه الثورة.
لكن قوات الأمن المركزي لم تؤمن بحق التجمع والتعبير وغابت الديمقراطية المزيفة عن المشهد، وجوبه المتظاهرون بالسلاح فيما يسمى بجمعة الكرامة حيث سقط 270 قتيلا وآلاف الجرحى بحسب تقارير لمنظمات دولية، لتشتعل شرارة النزاع المسلح.
بادرت دول مجلس التعاون إلى ما سمي بالاتفاقية الخليجية لنزع فتيل الأزمة، وحقنا للدماء. كان الرئيس المخلوع صالح أكبر الفائزين في هذه الاتفاقية حين قام البرلمان اليمني في 21 يناير 2012 بمنحه حصانة كاملة في سبيل تفادي الصدام وإراقة الدماء.
لكن فرصة تحقيق العدالة الانتقالية التي وفرتها الاتفاقية الخليجية حفاظًا على أمن واستقرار اليمن حولها الرئيس المخلوع إلى فرصة انتقامية، وتحول من الباب الخلفي إلى حكومة الظل ومنظومة الدولة العميقة الفاسدة، وبدأ يعمل على إعاقة عمل الحكومة الجديدة بأدواته القديمة العسكرية والأمنية والمالية، ونشر الفوضى وإعاقة كل محاولة للتغيير.
كان خلق الأزمات في الخدمات العامة ورفع سلع المواد الأساسية لإظهار فشل الحكومة الجديدة وهذا ما نبه إليه رئيس الوزراء السابق محمد سالم باسندوة إلى أن هذه الفوضى هي محاولة فاشلة من الرئيس المخلوع للانقلاب والعودة للحكم.
شعر الرئيس المخلوع أن الحكومة الشرعية الجديدة بدأت تسحب البساط من تحت أقدامه؛ فلم يكن له بد من شن حملات شرسة ضدها وضد الثورة وإعلان التحالفات الخفية مع طهران والمتمردين الحوثيين؛ لتظهر في العلن وهو تحالف ضد الحكومة الشرعية، وضد الشعب وضد دول الجوار؛ من أجل تحقيق طموحه الشخصي وانتقاما من الشعب.
وبحكم نفوذه العسكري بدأ بتسليم المحافظات اليمنية وأخذت في التساقط أمام المتمردين واحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو وصولًا إلى قاعدة العند قرب عدن.
امتد خطره إلى دول الجوار وخاصة المملكة العربية السعودية المحاذية لليمن في شريط حدودي طويل و ألقى عبد الملك الحوثي في 26 فبراير 2015، خطابًا خصص معظمه للهجوم على السعودية، وفي 12 مارس 2015 قام المتمردون الحوثيون بإجراء مناورات عسكرية بمعدات عسكرية ثقيلة على الحدود السعودية، وقال محمد البخيتي القيادي الحوثي أن الحوثيين سوف يحررون نجد والحجاز وأنهم لن يتوقفوا إلا في الرياض.
في 9 مارس 2015 وجه الرئيس المخلوع إلى رئيس الحكومة الشرعية عبدربه هادي منصور تهديدًا مباشرًا وتوعده بأنه لن يجد ملجأ للهرب إلا عن طريق جيبوتي، في تحدٍ صارخ للحكومة الشرعية وعودة لنظام حكمه بالقوة.
حينها قدم وزير الخارجية عبد الله ياسين رسالة من الرئيس هادي لمجلس التعاون الخليجي يطلب فيه التدخل لصد الحوثيين من التقدم نحو عدن وإنقاذا لليمن، كما تقدم بنفس الطلب لجامعة الدول العربية، وطالب وزير الخارجية اليمني مجلس التعاون الخليجي ومصر سرعة التدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في الوقت الذي استطاع فيه رئيس الحكومة الشرعية النفاذ من قبضة المخلوع والمتمرين والوصول إلى الرياض طالبًا من دول مجلس التعاون الخليجي إنقاذاً لليمن وشعبها من سلطة المخلوع وعصابات المتمردين على الشرعية ومبينا حجم الخطر الداهم من هذا التحالف الشيطاني بين المخلوع وعصابات المتمردين وطهران.
وهنا كانت الاستجابة والنجدة من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لطلب الشعب اليمني والحكومة اليمنية؛ درءًا لمخاطر التهديدات، وإنقاذا لليمن وشعبها الصابر على هذا النزيف الهائل لمقدرات الشعب وثرواته.
كان الرئيس المخلوع وحزبه أهم أسباب فشل بناء الدولة اليمنية اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، فطيلة 33 سنة تقاد البلاد من فشل إلى فشل ومن تيه إلى تيه. لم يكن حكم المخلوع وحزبه حكمًا عادلاً ولا صالحًا، سنون عجاف موسومة بالفشل الذريع، وحكم المستبد الظالم، أحال الحياة فيها إلى سجن كبير وجحيم لا يطاق.
فصنفت اليمن ضمن أفقر بلاد العالم، وأقلها أمنًا، وصُنفت من أكثر دول العالم فسادًا في كل تقارير منظمة الشفافية الدولية لعدة عقود متواصلة، ووضعها مقياس فورين بوليسي في مقدمة الدول الفاشلة، وبهذه النماذج في القيادة تفشل الدول.