في صنعاء كان الأمر مختلفاً في عيد الأضحى الحالي، فالحزن والألم خالط الفرح الذي لم يكتمل منذ ساعات الصباح الأولى، رافقه خوف بسبب قصف طيران التحالف، فيما تبدوا الحياة مستمرة لكنها ضعيفة.
استفتحت صنعاء يومها بخبر محزن بعد تناقل الاخبار سريعاً عقب صلاة العيد، بسقوط قتلى وجرحى في تفجير انتحاري استهدف مسجد البليلي بصنعاء اثناء صلاة العيد، الأمر الذي اخفى الابتسامة من وجوه سكانها، وجعل الحزن هو الطاغي في حضرة العيد.
وبينما كان المواطنين يتفقدون عائلاتهم في عادة زيارة "المحارم"، اعتاد عليها اليمنيين، كانت طائرات التحالف تحلق صباح العيد في صنعاء، وتشن غارات على مقر قوات الشرطة العسكرية في شارع مارب وسط صنعاء، ما جعل القلق يسيطر عليهم خشية استهداف اماكن متعددة تحول الفرح إلى حزن مصاحب للتفجير الانتحاري.
قبل يوم العيد
ما ان تضع قدميك في احد الأسواق داخل العاصمة صنعاء، حتى يتبادر في رأسك سؤالاً، أين الناس كما هو معتاد في كل الأعياد؟.
هكذا ولأول مرة تبدوا الأسواق في امانة العاصمة صنعاء غير مزدحمة، فيما تبدوا كثيراً من المحلات خالية الا مما ندر من المتسوقين، في الوقت الذي يظهر سوق "الماشية"، مزدحم بـ"الماشية"، وضعيف بحركة البيع وحركة المشتريين.
وبالرغم من تشابه ضعف حركة الأسواق في عيد الأضحى الحالي، مع العيد في العام الماضي، إلا أن الاسباب اختلفت من عام لأخر، فبينما كان عيد الأضحى العام الماضي تشهد صنعاء اجتياحاً مسلحاً من قبل جماعة الحوثي المسلحة التي سيطرت على العاصمة قبيل العيد بأقل من اسبوعين، ساهمت في ضعف حركة التسوق وتواجد الناس، الا ان العيد في العام الحالي كانت الأسباب مختلفة تداخلت فيما بينها.
ساهم اقتحام الحركة الحوثية المسلحة لصنعاء العام الماضي في ان يتحول عيد الأضحى في العام الحالي إلى اسوأ الاعياد منذ سنوات طويلة، فبسبب الحوثيين حلت حرب "التحالف العربي" التي أعلنتها السعودية ضد الجماعة المسلحة وقوات صالح، اضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والملابس والأضاحي، وصولاً إلى نزوح عشرات الآلاف واشتداد الفقر بين أوساط المجتمع.
أسواق الماشية .. ارتفاع الأسعار وانخفاض الشراء
كما اعتاد المسلمين في ارجاء العالم ان يرتبط اسم عيد الأضحى بـ"الذبح" للماشية"، امتثالاً لديننا الإسلامي الحنيف، فقد كان اليمنيين كغيرهم من المسلمين، يقدمون الأضاحي تقرباً إلى الله تعالى، وكانت الاسواق تعج بالمشترين الذين يقومون بأخذ مختلف انواع الماشية لذبحها خلال ثلاثة ايام التشريق.
الا ان العامين الماضي والحالي، كان أقل الأعوام بيعاً وطلباً في سوق الماشية، مع اختفاء المئات من المؤسسات الخيرية التي كانت تقوم بذبح الاضاحي وتقديمها للفقراء، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن بسبب ارتفاع اسعار الاضاحي، وكذا انقطاع رزق الآلاف من المواطنين.
وتسبب اقتحام الحوثيين للمؤسسات الخيرية، إلى توقها عن تقديم الاعانات للمحتاجين، ما ضاعف معاناة المواطنين والأسواق التي لم تجد حركة بيع كبيرة.
كما ان انقطاع التيار الكهربائي عن اليمن وخصوصاً صنعاء، دفع الكثير إلى تجاهل شراء الاضحية خشية تعفنها بعد ذبحها، بسبب عدم وجود كهرباء لتشغيل "ثلاجات"، لحفظ بقية الاضاحي التي تذبح، بحسب أمجد صغير، أحد المواطنين تحدث لـ"مندب برس".
اما محمد الهمداني بائع ماشية قال لـ"مندب برس" أثناء زيارتنا لسوق نقم بصنعاء، ان اسعار المواشي ارتفعت بشكل كبير خلال العام الحالي، خصوصاً مع تطبيق الحصار على اليمن من قبل "قوات التحالف"، والذي تسبب في منع ادخال المواشي الافريقية إلى البلاد.
ويضيف "وصل سعر بعض راس البقر إلى مليون ريال يمني".
ويلجأ الكثير من اليمنيين إلى شراء اللحمة بالكيلو من الأسواق، والتي هي الأخرى ارتفعت اسعارها مع ايام عيد الأضحى المبارك، ليصل سعر كيلو اللحم البقري إلى "1800، بدلاً منن "1400".
"كسوة" العيد.. ضعف في الشراء
في صنعاء تتناثر أسواق بيع الملابس التي غالباً ما يكون النصيب الأكبر فيها خلال العيد للأطفال، لكن في عيد الأضحى الحالي، اختفى المشترون إلا من القليل منهم.
وأثناء زيارة "مندب برس" إلى اكبر الاسواق في العاصمة صنعاء "شارعي هائل، وجمال"، لم تكن مزدحمة كما اعتاد عليها الناس، بل ان كثير من اصحاب المحلات ابدوا استيائهم من الوضع الذي تعيشه البلاد، والذي انعكس سلباً على مبيعاتهم.
يتحدث محمد القيري صاحب محل في شارع هائل عن ضعف المبيعات خلال الاشهر الاخيرة ويقول لـ"مندب برس"، منذ 4 اشهر او يزيد قليلاً لم نجد حركة بيع كما اعتدنا عليها، وانخفضت بنسبة كبيرة، لكن عيد الأضحى الحالي، كان الأسوأ بين الفترة التي مضت.
واشار إلى انه استغنى عن 3 عمال في محله بسبب ضعف "الزبائن"، والذي قال ان مبيعاته لم يتمكن من خلالها توفير مرتباتهم، وكذا ايجار المحل وخسائره الأخرى.
وعن سبب ارتفاع اسعار الملبوسات، قال ناصر الحلالي بائع ملابس أطفال في شارع جمال أن السبب يرجع إلى انعدام "البضاعة"، بسبب الحصار الذي تفرضه قوات التحالف، والذي لم يمكن التجار من جلب بضائع جديدة، ورفع الاسعار في الملبوسات المتواجدة.
ولفت في حديثه لـ"مندب برس" إلى أن ارتفاع الاسعار في جميع المواد المختلفة وخصوصاً الغذائية، دفعت الكثير من الاسر إلى تجاهل شراء الملبوسات، والاهتمام بشراء المواد الغذائية.
ومن الأسباب ايضاً التي تسببت في ضعف الحركة الشرائية في اسواق الملبوسات، كون كثير من الناس اشتروا ملابس لأطفالهم في عيد رمضان، ما جعلهم يستغنوا عن الشراء في العيد الحالي. بحسب الحلالي.
ويشتكي كثير من التجار من ضعف الحركة الشرائية، والتي قالوا انها قد تدفع البعض إلى اغلاق محلاتهم بسبب ارتفاع اسعار الايجارات والتي يعجزون عن تسديدها.
جعالة العيد تتصدر الشراء والخضروات تنخفض مبيعاتها
وخلال زيارة مندب برس للأسواق في صنعاء لوحظ انخفاض كبير في تدافع الناس لشراء الخضروات والفواكه، في وقت تصدرت جعالة العيد اكثر المبيعات خلال الايام الماضية.
وكان ارتفاع اسعار الخضروات، سبباً في نزوح السكان عن شرائها، وانخفاض الشراء.
وقال محمد العديني بائع خضروات لـ"مندب برس" إنه لم يتوقع ان تبقى معظم الخضروات التي اعدها لبيعها في يوم عرفة.
وأضاف "سنوياً اقوم بتجهيز كمية كبيرة من الخضروات، ويأتي زبائن لشرائها، واحياناً يخلصوها وعاد في زبائن ما قد اخذوا".
وتابع "هذه السنة تفاجأت بأن الكثير لم يشتري مني، وبعضهم لم يأخذ كما كان يأخذ كل سنة، ربما بسبب ارتفاع اسعارها".
في الوقت الذي انخفض شراء الخضروات، كانت "جعالة العيد"، هي أكثر الشراء لدى سكان صنعاء، فقد شهدت مراكز البهارات الكبيرة والسوبر ماركات، ازدحام كبير لشرائها.
وتبدوا "جعالة العيد"، هي الشيء الوحيد الذي يراه اليمنيين اكثر الحاحاً وطلباً، لدى من يملكون المال او الفقراء، الذين يضطرون الى شراء أرخص المنتجات، هذا ما تراه سامية ردمان ربة بيت اثناء تحدثها لـ"مندب برس".
تقول "يضطر الجميع إلى الشراء كل بحسب ما يملك من المال، أولاً يفرح اسرته واولاده، لان الواحد لا يشعر ان هناك عيد الا حينما يرى جعالة العيد، والامر الاخر لاستقبال الاقارب الذين يزورونك وتقدمها لهم كضيافة".
عيد آخر مختلف .. لكنه الأسوأ
على الرغم مما حمل عيد الأضحى الماضي من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وفقدان عشرات الأسر لأبنائها في المواجهات المحدودة التي حدثت في اطراف العاصمة، وهروب معارضين من منازلهم، إلا انه لم يكن بسوء العيد الحالي، نظراً لان الكارثة حلت على معظم انحاء البلاد.
في صنعاء استقبل المواطنون عقب خروجهم من صلاة العيد خبر تفجير انتحاري في مسجد البليلي بصنعاء، والذي خلف عشرات بين قتيل وجريح، وهو ما ادانه جل السكان الذي اعتبروه استمراراً لمحاولة فرض الطائفية التي يرونها اصعب من ان تحدث بين اليمنيين.
كان يأمل سليمان السلامي ان يمر يوم العيد بلا احداث تنغص فرحة اليمنيين، لكن الفرحة المسروقة من وجع الاحداث، اختفت بخبر تفجير مسجد البليلي، تبعها الخوف الذي ارتسم عليه مع تحليق لطيران التحالف في سماء صنعاء، تبعه قصف لمقر قيادة الشرطة العسكرية بشارع مارب الـ10 صباحاً.
السلامي هو كغيره من الكثير من سكان صنعاء الذين ابدوا استيائهم من استمرار القصف في يوم عيد الأضحى، يقول لـ"مندب برس"، كنا نتمنى ان يتركوا لنا حتى يوماً واحد لا نفكر فيه بقصف او نخشى على انفسنا، لكن لا فائدة.
يضيف "لم يعد للمواطن العادي أي احترام من أي طرف، كل واحد منهم يفكر بما سينجزه، بعيداً عن ما سيعانيه المواطنين".
صنعاء ايضاً التي غادرها الالاف من السكان خلال الايام الاخيرة إلى قراهم ومدنهم للاحتفال بعيد الاضحى، وبعضهم نزوحاً خوفاً من حدوث معركة فيها، تشهد حركة خفيفة كان ابرزها اختفاء المشتقات النفطية من المحطات الرسمية وظهورها في السوق السوداء بأسعار خيالية، وصل سعر الـ20 لتر إلى"18 ألف ريال يمني".
وبينما كان سكان صنعاء هم الوحيدون الذين يتجرعون ويلات جماعة الحوثي في عيد الأضحى الماضي بعد سيطرتهم عليها، كان معظم ارجاء البلاد في العام الحالي يتجرع ما قامت به الجماعة المسلحة، وكذا تدخل التحالف العربي الذي شارك في معاناة المواطنين.
وكصنعاء شاركت تعز بالدماء، ولكن هذه المرة بفعل الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والتي قصفت المدينة، وخلفت بحسب حصيلة أولية حتى مساء العيد 7 قتلى اضافة إلى جرحى.
وتعيش تعز في كارثة كبيرة مع استمرار القصف المستمر للحوثيين على ارجاء المدينة، في الوقت الذي اغلقت معظم المستشفيات ابوابها، وانعدام الخدمات الاساسية والمواد الغذائية في المدينة.
ويرى كثير من اليمنيين وخصوصاً سكان صنعاء الذين ينتمون لجميع المحافظات ويمثلونها بتواجدهم بكثافة فيها، ان اليمن تعيش أسوأ ايامها، فيما لم يكن عيد الأضحى، إلا اسماً فيما يعيش السكان على وقع كارثة مستمرة منذ 21 سبتمبر 2014م، يوم سقوط صنعاء بيد الحوثيين.