غلقت الولايات المتحدة، أخيراً، سفارتها في اليمن، البلد الذي أشاد به الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتباره يشكل «نموذجاً» للجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط العام الماضي.
وانقلاب حكومة الحوثي الذي أخذ طابعاً رسمياً أخيراً قلب النموذج رأساً على عقب الآن، وطرح تساؤلات بشأن الدور الأميركي المستمر في محاولة الحد من نفوذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومقره اليمن، هذا التنظيم الذي أظهر قدرة واستعداداً كبيرين لتنفيذ هجمات إرهابية في الغرب في السنوات الأخيرة.
وبينما أشار المسؤولون الأميركيون إلى أن الوضع الأمني الفوضوي في العاصمة صنعاء كان المحرك لإغلاق السفارة، أوضحوا أن تدريب الولايات المتحدة للجنود اليمنيين سوف يستمر.
لكن مع إبقاء حركة الحوثي الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية، ومع تزايد مخاطر تصعيد الحرب الأهلية هناك، فإن الجهود الأميركية الجارية داخل اليمن تبدو ضعيفة. منذ عام 2010، شنت حكومة أوباما حملة من الاغتيالات بالطائرات الموجهة عن بعد في البلاد، تمثلت بنحو 100 غارة، أسفرت عن مقتل مئات من أنصار القاعدة في شبه الجزيرة العربية وعشرات من المدنيين.
وبينما كان الرئيس هادي ومن سبقه حليفين في هذا الجهد، فإنه من غير المرجح أن يتواصل الدعم الاستخباري من المسؤولين اليمنيين الذين يتجاوبون مع الحوثيين. وحركة الحوثيين تكن العداء لتنظيم القاعدة، لكن منذ أن استولت على السلطة، حمل زعيم الحوثيين، نجل مؤسس الحركة، عبد الملك الحوثي، بشدة على التدخل الأجنبي في البلاد.
وصحيفة «نيويورك تايمز» نشرت مقابلة مع المسؤول الحوثي الكبير في العاصمة صالح علي الصمد، قال فيها إن الحركة ترغب في مقاسمة السلطة مع منافسيها اليمنيين، وتسعى إلى علاقات طيبة مع الولايات المتحدة. وأضاف مستخدماً الاسم الرسمي لحركته: «أنصار الله لا يرغبون بأي شيء أكثر من الشراكة، وليس السيطرة» مضيفاً «هذا لم يكن انقلاباً».
وقد تجنبت الولايات المتحدة دعوة الانقلاب «انقلاباً» حتى الآن. وبعد إعلان الحوثيين الاستيلاء على السلطة، تفادت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف التحدث عن القضية، وقالت: «الإعلان من جانب واحد الذي صدر عن الحوثيين لا يلبي معايير حل قائم على التوافق في الآراء للأزمة السياسية في اليمن. وهناك عملية يمكن بموجبها تغيير الحكومة من خلال للدستور».
ويبدو أن الولايات المتحدة تعلق الآمال على التعاون مع الحوثيين، وهو الاحتمال الذي لمح الصمد إليه في المقابلة. وعندما سئل الصمد بشأن شعار «الموت لأميركا» الملصق على الجدران في مختلف أنحاء صنعاء، أجاب: «لسنا ضد الشعب الأميركي، نحن فقط ضد سياسات الولايات المتحدة. وهذا ليس المقصود منه التسبب بأي أذى للشعب الأميركي، إنه مجرد شعار».
وسواء أكان شعاراً فارغ المضمون، أم تعبيراً صادقاً عن وجهات نظر حركة الحوثيين، فإنه يتعين على الولايات المتحدة بدء التعامل مع واقع جديد، يفضي بأن نموذجها في مكافحة الإرهاب في حالة يرثى لها، في وقت أن استهداف القاعدة في شبه الجزيرة العربية قد كسب إلحاحاً متجدداً، حيث كان أحد المشاركين في هجمات «شارلي ابدو» في باريس أخيراً من الذين تدربوا مع الجماعة في اليمن.
توصيف
يشكل وصف عملية استيلاء مسلح على عاصمة البلاد وحل برلمانها وإقالة رئيسها ووضعه تحت الإقامة الجبرية بأنها «ليست انقلاباً»، بدعة من البدع. لكن الولايات المتحدة ستتماشى مع هذا التوصيف لأطول فترة ممكنة، لأن القانون الأميركي يحظر تقنياً مساعدة البلدان بعد عملية استيلاء مسلح على السلطة.
/البيان/