2015/02/24
ساعات مع أسرة الشهيد البشري .. حيث تسكن الحسرة والألم أفئدة الكبار والصغار (تقرير خاص)

اختنق عبد العليم صالح البشري (14سنه) بكلماته، واعتلت وجهه سحابه حزن وهو يقول: "حرموني من أبي .. قتلوه من غير ذنب .. الله لا سامحهم "، بينما ارتجف صوت يعقوب (13 سنة)، وخرجت كلماته خائفة وهو يقول:" أبي كان مصدر لحياتنا ..وسعادتنا، الله يذيقهم العذاب كما أذاقوه لأبي".

أبناءه الآخرين (سامي -وسيف الإسلام- وشقيقاتهم سميه – ورباب- وسارة )، تحجرت دموعهم بأعينهم، ليثور سؤال كبير "لماذا قتلوا أبي" ؟

كانت الطريق طويلة إلى منزل "البشري"، وعند اقترابنا من منزله رأينا على بعد أمتار قليلة نقطه للحوثيين، اعتاد صالح البشري كلما مر بهم إلقاء السلام، والتحدث إليهم ومشاركتهم طعامه.
وعندما يرى علامات التعجب في وجوه الآخرين يرد عليهم : "هؤلاء مساكين لا يدركون ماذا يعملون"! .

هكذا عُرف الشهيد "صالح البشري" بين أبناء قريته ومحبيه، لا يحمل ضغينة أو عصبيه تجاه من يخالفه الرأي أو القناعات.

وجدنا حاله من الذهول والحزن تسود وجوه أقاربه وأصدقاءه، والألم يرتسم على منازل قريته بمنطقة "البادية" ، بمديريه الحيمة الخارجية التابعة لمحافظه صنعاء.

فلم تتخيل أسره الشهيد" صالح " وجميع من يعرفه أن هناك بشرا استطاعوا التفوق بوحشيتهم على الكائنات المفترسة، بكل المعايير والمقاييس المعروفةـ لتجعل من جسد "البشري" مسلخاُ لإنسانيتها.

دخلنا منزله البسيط..استقبلتنا أسرته وأطفاله، أخذتني صغيرته "رباب" إلى "أمها" المتعبة، فرأيت ملامحها المنكسرة ووجعها الملتهب.

ضمت صغيرتها "سارة" لصدرها وقالت:"خمسه عشر عاما "هي أجمل سنين عمرى مع شريك حياتي "صالح" لم أرى منه إلا كل جميل معي وأولاده الذي لم يقسو عليهم يوما.

"صمتت قليلا" وهي تتأمل وجه صغيرتها النائمة ثم قالت: "كان محبا للخير وللناس" ، ارتسمت ابتسامه الم على وجهها: "تعرفين كان يأمرنا بإقامة الصلاة في كل غرف المنزل وقراءه القرآن بكل المصاحف، حتى تشهد لنا يوم القيامة كما كان يردد دائما على مسامعنا".

تهدج صوتها وهي تقول:" لا تخيل أبدا كيف طاوعتهم ضمائرهم، أن تحرق سياطهم جسده الطاهر ، وكيف عذبوه بتلك الطريقة البشعة ؟".

وضعت يدها على وجهها، وتساقطت دموع حَرَّى على وجنتيها.. أيقظت طفلتها النائمة، فمدت يدها الصغيرة، لتمسح دموع أمها وهي تشهق بالبكاء.

في تلك اللحظة التصقت رباب وسميه بأمهما، وامتلأت عيناهما بالدموع.. ارتجف صوت رباب وهي تقول:" إعتاد أبي تحفيظنا كتاب الله، وجمعنا للصلاة ..لا أتذكر أنه غضب يوماً منا، كانت ابتسامته دائماً مرتسمة على وجهه"، (علا صوت بكاءها) افتقد أبي.

أبكي حزن "الأم" وبناتها " الحاضرات، وفي الأثناء دخلت "أم الشهيد "،، كانت تحث النساء على صلاه الظهر، كان شحوب وجهها وصوتها وحروفها المبعثرة يُقرأ منه مدى الألم الذي تعانيه ، رددت على مسامع الجميع "ابني شهيد أحمد الله على كل شيء".

جلست بجانبي لتسرد قصه طفولته وشبابه قائله: "منذ الخامسة من عمره كان يحفظ القران ويعمل جاهدا حتى يوفر احتياجاتنا،.طيلة شبابه لم يوجعني بكلمه ،طايع لوالديه محبوب بين الناس (شلوا روحي) الله لا سامحهم هؤلاء القتلة".

مسح والد صالح البشري عرقا يتصبب على جبينه المتجعد، أخذته ارتعاشه ألم وهو يقول:"عندما رأيت العذاب على جسد ابني.. لولا مخافة الله لقتلت نفسي، قلبت جسد ولدي بين يدي كنت أتساءل، ما الذي صنعه حتى يُقتل بهذه الطريقة ؟ ما هي جنايته؟ خرج ولدي حيا ورجع إلى عندي جثه هامدة؟".

 

  • والد الشهيد البشري: عندما رأيت العذاب على جسد ابني.. لولا مخافة الله لقتلت نفسي

 

حاله من الصدمة تعيشها أسره الشهيد "صالح البشري" بعد غيابه لثلاثة أيام وعودته إليهم محمولا على الأكتاف، تساؤلات عديدة طرحوها تنتظر إجابة تشفي صدورهم الثكلى، فهل عقاب المطالبة بالوطن المختطف، العذاب، ورفض الإنقلاب القتل ! .

عبد الرحمن البشري (أخو الشهيد) بدأ حديثه لمندب برس بقوله: "من يُنصفنا؟ راسما بذلك صورة مأساتهم الإنسانية.

يتابع :" نعيش حاله من الصدمة، فعندما رأينا الشهيد بهذه الحالة وأثر التعذيب عليه، لم تحتمل قلوبنا وعقولنا هذه القسوة والوحشية التي حفرت على جسده، فأي بشر يحمل صفه الإنسانية يمكنه أن يصنع بجسد إنسان صنوف البشاعة والوحشية، وأي ديانة وصفات بشريه يحمله هؤلاء؟، وما تلك السجون التي تمتلكها هذه الكائنات المتعطشة للتعذيب والقتل".

عندما رأيت آثار التعذيب على أخي ورفاقه.. تذكرت سجون (أبو غريب) التي أُهدرت فيها الآدمية والكرامة الإنسانية.

يضيف:" عندما وصلني الخبر باختطاف أخي وزملائه، عصر الأربعاء من جولة عصر عند حضورهم مسيرة لإحياء ثورة فبراير، ذهبت للبحث عنه، وجدته بعد البحث في النزع الأخير، وزملائه في حاله يرثي لها، كنا بالمستشفى الأهلي نكمل الإجراءات لإخراجهم، ومع ذلك ظلت "طقومات الحوثة " ترقبنا ثم تبعتنا عند خروجنا، ولكننا استطعنا الهروب منهم والوصول للقرية بجثه أخي".

وعن آخر اللحظات التي جمعته مع أخيه يقول بغصة حزينة: "كنت أسال أخي وهو ينازع، عن الأشخاص الذي عذبوه، فرفض البوح بأسمائهم، وقال بصوت يقطعه سيف الموت " نحن يا أخي في جهاد ودعوه إلى الله، وقد عُذب حتى رسول الله"، وفاضت روحه وهو بين يدي وفوق صدري"، سكت قليلا ثم قال: "لن أنسي هذا الموقف".

يتابع :" ابنه عبد العليم يسألني،، يا عم ما هي جريمة أبي ؟ لماذا عذبوه بهذه البشاعة ؟"، هز رأسه قائلا: "بماذا أجيبه؟؟".

وأكد شقيق الشهيد:" أن أخوه عُذب بهذه البشعة التي أدت إلى استشهاده لكونه قيادي مؤثر بالناس، وصاحب كلمه حق وسباق للخير, محبوب لدى الأهالي، مسموع الكلمة بينهم، ولأن "الحوثة" كانوا يدركون مدى تأثيره، حاولوا ضمه للجماعة، فكان ثمن رفضه روحه الطاهرة".

وأوضح " أن أهالي منطقته تيقنوا حقيقة جماعه الحوثي، حتى من كان يواليهم من الأفراد، أدركوا كذب هذه الجماعة بعد تعذيبهم وقتلهم صالح ورفاقه"، وأضاف: " إنه برغم الألم وهول الحادثة علينا, قد ازددنا إصراراً وعزيمة لمقاومه هذه المليشيات، ومواصلة رفض انقلابها على الشرعية وممارسه الانتهاكات بحق اليمنيين، وسنواجههم بالسلم والكلمة الحرة".

وفي نهاية حديثه وصف "عبد الرحمن "خسارته لأخيه بقوله:" خسرت الصديق والمعلم القدوة، فصالح كان رجل علم ومواقف، وستكون قصه مقتله شاهدة على بشاعة مليشيات الانقلاب".


حكاية من التعذيب

"على الفقيه "،، رفيق الشهيد صالح البشري،، تعرض للتعذيب الوحشي على أيدي مليشيات الانقلاب، شارك صالح تلك الليالي المؤلمة، وذكر قصة اعتقالهم وإخفائهم والتي انتهت باستشهاد "البشري".

يقول بصوتٍ متعب  لمندب برس :"في ذكرى إحياء ثوره فبراير، خرجت ورفاقي على متن سيارة، وصلنا إلى "جولة عصر"، وبقينا هناك ننتظر المسيرة،، أتي إلينا مجموعه من الحوثيين، اقتادونا إلى مكان مجهول بعد تفتيش أوراقنا".

"أنزلونا ببدروم،، تركونا لساعات بغرفة ضيقه، ظننا أنهم سيخرجوننا بعد انتهاء فعاليات " ذكرى ثوره فبراير"، ولكن استمر الأمر لأيام ،حرمونا خلالها من أبسط حقوقنا المكفولة إنسانيا طيلة اعتقالنا"، يضيف علي طاهر.
.
وقال: "وفي إحدى الليالي بدأ التعذيب الوحشي لأكثر من ساعة، ركزوا سياطهم على المؤخرة، لا نعرف ما هي الآلات التي كانوا يضربونا بها، فأعيننا مغطاة وحركتنا مقيده ، كنا نشعر فقط أن الألم يتوزع على كل شبر من أجسامنا، أخرجونا بعدها واستمر تعذيب الشهيد صالح لأكثر من 5 ساعات وخرج بحالة سيئة جدا، وروحه تنازعه فقد كانت لحظاته الأخيره بالحياة".

تنهد المختطف المعذّب علي طاهر، وعليه حزن عميق ثم قال: " كان يهمس لجلاديه من شده الألم ...أنا عطشان.. فيزيدوه تنكيلا".

وأضاف : "دخل بعدها في حاله من الإغماء، وعند استيقاظه كان يرددها حتى فاضت روحه"، وزاد قائلاً : "رمونا بعدها خلف (شركه سبأفون بالزبيري) من شده الألم والحالة السيئة التي كنا عليها لم نعرف أين نحن؟ فقدت السيارة بوضع مبكي ومضحك، فقد عجز جسدي عن الجلوس لشده الألم وصلنا للمستشفى بأعجوبة وفقدنا صالح" .

ويتابع علي طاهر بألم شديد:" لم نتوقع موته، وإلى الآن لا يستوعب عقلي فقدانه وعدم سماع صوته، بعد الآن".

يبتلع دموعه وحشرجات صدره، ويتحدث عن آخر لحظات جمعتهم بالشهيد: "صلى بنا وأوصانا بالصبر، وذكّرنا بأننا في دعوة وجهاد ضد الظلم والكهنوت، ودعانا للتحمل والثبات لأننا لم نرتكب جُرم، وقضيتنا هي الوطن".

وأضاف:" صحيح أننا خرجنا وخسرنا صالح، لكننا تركنا عشرات من المعتقلين الذين شعرنا بوجودهم وصرخات الألم من خلف قضبان القتلة، ولا نعرف ما ستكون مصائرهم، والتي ربما ستكون شبيهة بمصير صالح".

ويصف الفقيه حالة أطفاله وأسرته عندما ارتمى بين أقدامهم وهو في حاله يرثي لها:" أصوات الصراخ والبكاء كانت تعلو المكان، وأنا في حالة إعياء شديد، فقد تزامن وصولي مع خبر استشهاد صالح، حالة من الذهول والصدمة عاشتها أسرتي غير مصدقه بوجودي حيا مرة أخرى بينهم".

وأكد الفقيه أنه بتعذيبهم وقتل "البشري" أرادت مليشيات الحوثي توجيه رسالة الموت والتعذيب لكل من يخالفها، وتغطيه شمس الحقيقة بالغربال، ولكن باستشهاد (صالح البشري)، كانت عودة للمخدوعين بمسيرتهم وإدراكا لمشروعهم الذي ثبّتوا معالمه على أجسادهم المخطوفين، وفي مقدمتهم صالح البشري وطاهر والصباري، وغيرهم من المختطفين في سجون الجماعة.

خرجنا من منزلهم بعدما تفقدنا مصاحفه التي كان يرتل حروفها بصوته ، وما تزال تحن إلى ليالٍ كان يحيها في طاعة رب اشتاق للقائه

 

  • مصاحف الشهيد البشري


شيء اخر رأينا قبل وداعهم "قبره" الذي وورى به جسده المعذب وصورته التي حملها ابنه الصغير (سامي ) فكان اخر مشهد بحياته وبذاكرتنا عن الشهيد الثائر.

  • سامي بن الشهيد صالح البشري
تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://mandabpress.com - رابط الخبر: https://mandabpress.com/news5419.html