2019/09/09
ما احتمال أن تبدأ الولايات المتحدة محادثات سرية مع الحوثيين؟

تنظر إدارة ترامب إلى اليمن من منظور سياستها تجاه إيران، أي كجبهة لمواجهة المدّ الإيراني. لذا، تُعتبر أنباء المباحثات بشأن فتح قنوات الحوار مع الحركة الحوثية مؤشّراً واضحاً على أن الولايات المتحدة تعمد إلى تخفيف وطأة حملة أقصى درجات الضغط على الدولة الإسلامية. ويشي انخراط الولايات المتحدة مع الحوثيين، الذين أطلقوا طائرات مسيّرة وصواريخ بدائية إنما فعّالة ضد أهداف مدنية سعودية، بأنها تحاول فك ارتباط هذه الميليشيا بداعميها الإيرانيين، وبالتالي حرمان طهران من إحدى الجبهات التي تستخدمها لتقويض حلفاء واشنطن. للمفارقة، يبدو أن حملة أقصى درجات الضغط الأميركية على إيران هي التي قد تدفع في نهاية المطاف الأميركيين إلى طاولة المفاوضات.

 

يتطلب نجاح هذه المفاوضات أن توسّع الولايات المتحدة رؤيتها تجاه اليمن، عوض أن تبقى محصورة في الزاوية الإيرانية الضيقة. فالنظر إلى الإطار الأوسع كفيلٌ بإظهار أن المشهد الراهن غير مؤاتٍ للتوصّل إلى صفقة، أو على الأقل صفقة تلبّي الأهداف التي وضعتها السعودية في بداية الحرب والمتمثلة في استعادة شرعية حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والالتزام الأميركي بالحفاظ على وحدة اليمن. فوفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن مجموعة الأزمات الدولية، سيتطلّب حل الأزمة اليمنية قبول الأطراف المعنية بأن تعكس التسوية الوقائع الميدانية، وهي وقائع تظهر مكاسب الحوثيين والانفصاليين الجنوبيين.

 

مع أن الأنباء حول محادثات سرية محتملة بين ممثلين عن الحكومة الأميركية وحركة أنصار الله الحوثية أتت متأخرة للغاية، هذا خير من ألا تحدث أبداً. فلطالما دعوتُ إلى إجراء حوار بين ممثلين عن الدول الإقليمية والحوثيين لأنهم يسيطرون على المناطق الجغرافية المحاذية للحدود السعودية. ويُشار إلى أن السيطرة على هذه المناطق شكّلت أحد الأهداف الرئيسة لعملية عاصفة الحزم العسكرية التي انطلقت في آذار/مارس 2015.

 

يبدو لي أن الحكومة السعودية متردّدة في فتح قوات جديدة للحوار مع أنصار الله، ولاسيما بعد انهيار الترتيبات المُتفق عليها في ظهران الجنوب في آذار/مارس 2016، والتي تلتها مفاوضات في الكويت في نيسان/أبريل من العام نفسه بين الحوثيين وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية. ونظراً إلى أن الحكومة الأميركية تبدو مستعدّة راهناً لخوض محادثات مع أنصار الله، من المؤكد أنها ستُجري مشاورات وثيقة مع الرياض. وفي حال صدور أي نتائج إيجابية عن هذه المحادثات، سيسهّل ذلك من الناحية السياسية إطلاق محادثات متعدّدة الأطراف تضمّ السعودية والإمارات.

 

عقد سفراء سابقون لدى اليمن، ومن ضمنهم جيرالد فايرستاين وماثيو تولر، اجتماعات كثيرة مع الحوثيين في صنعاء حتى العام 2014، وفي مسقط منذ ذلك الحين. حتى أن وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري اجتمع مع الحوثيين في مسقط في العام 2016. لذا، المسألة الأساسية ليست ما إذا ستبدأ الولايات المتحدة محادثات غير مُعلنة مع الحوثيين أم لا، بل ما إذا كانت إدارة ترامب، أولاً، مقتنعة بأن الوقت قد حان للحثّ جديّاً على إنهاء الصراع في اليمن؛ وثانياً، ما إذا كانت لديها خطة سلام واضحة تحظى بموافقة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ما إن تجتمع كل هذه المكونات، يمكن عندئذٍ أن تسير المحادثات المباشرة أو السرية مع كلٍّ من الحوثيين والحكومة اليمنية على قدم وساق.

 

احتمال إجراء محادثات في الوقت الراهن أكبر من السابق، إذ سيستفيد كلٌّ من الأميركيين، والحوثيين، والأهم السعوديين، من محادثات خفض التصعيد. بيد أن الرياض لا يمكنها بدء ذلك وسط قيام الحوثيين يومياً بإطلاق صواريخ ضد أهداف مدنية سعودية، وفي ظل السردية الوطنية المحلية حول الحرب في السعودية. مع ذلك، يتوجب على السعوديين إرساء الاستقرار على حدودهم الجنوبية، وبخاصة على ضوء المشاكل المتراكمة في جنوب اليمن.

 

يبدو أن الوقت قد أزِف بالنسبة إلى واشنطن للنظر في مثل هذا المسار. فقد تكون هذه فرصتها الأخيرة لوقف عملية تحويل الحوثيين إلى وكلاء لإيران (إذ أقدموا مؤخراً على تعيين "سفير" لدى طهران)، بينما يتعيّن عليها في الوقت نفسه ضمان حرية مرور السفن التجارية في جنوب البحر الأحمر. وعلى الرغم من أن الحوثيين يرفعون شعار "الموت لأمريكا"، يبقى أنهم حركة قابلة للتكيّف يتجاذبها البراغماتيون في صنعاء والمتشدّدون في صعدة. لذا، ينبغي على الولايات المتحدة الاستفادة من هذا الصدع. وفيما يسعى الحوثيون إلى توطيد أركان الحوكمة في شمال اليمن، سيبدو انخراط واشنطن معهم بمثابة اعتراف ضمني بدورهم.  

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://mandabpress.com - رابط الخبر: https://mandabpress.com/news57705.html