2020/08/04
صحيفة الوطن: السلاح الروسى فى اليمن يساهم في إطالة أمد الصراع

عندما أعلن الحوثيون فى فبراير 2020 عن امتلاكهم ثلاث منظومات صاروخية جديدة من طراز «ثاقب» وآخر يُدعى «فاطر»، أشاروا إلى أن دخولها ساحة الصراع قادرة بإحداث تغيير كبير فى مسار المعارك الدائرة، وفى الوقت ذاته سيُمكنها من نقل إمكانيات ميليشيات «الحوثى» إلى مدى أبعد مما اعتادت عليه الساحة اليمنية طوال سنوات الاقتتال الدائر. وصفت تلك المنظومات الدفاعية من قِبل القيادات العسكرية للحوثى، بالقادرة على كبح جماح طيران قوات التحالف وتقييد قدرات تحليقها فوق المناطق المؤثرة، التى تصل المعلومات الاستخباراتية لقيادة التحالف، باعتبارها المعاقل الأكثر خطورة، ذات القدرات التى تمكّن سرايا الحوثى من القيام بعمليات الإغارة والمناورة وتثبيت السيطرة الميدانية.

القيادات الحوثية حاولت بالطبع استغلال الحدث حينها إعلامياً، بأكبر عملية ترويج ممكنة بأن امتلاك تلك المنظومات إنجاز نوعى فى مجال تطوير القدرات الدفاعية، مع تأكيد أنها نتاج تصنيع محلى بمعرفة الخبراء الذين استطاعوا كسر الحصار المفروض على اليمن، والوصول إلى تقنيات مكنتهم من إنتاج هذا الجيل الجديد الذى يدخل الترسانة العسكرية، ليُحقق السيادة على المجال الجوى، حسب تعبيرهم والقدرة على تحييد طيران التحالف العربى.

لكن منذ تاريخ الإعلان عن المنظومات، ومروراً بخطاب «عبدالملك الحوثى» فى مارس الماضى، الذى ذكر فيه «سيندم أعداؤنا؛ لأنهم سيدركون أن بلدنا أصبح منتجاً للقدرات العسكرية ليتبوأ مكاناً مهماً على مستوى التصنيع العسكرى»، واستخبارات الجيش الوطنى اليمنى فى انتظار أن يقع بيديها نماذج لتلك المنظومات، كى تصل إلى فك شفرة تلك المنظومات والوقوف على مصدرها على نحو دقيق.

وهو ما تحقّق مؤخراً لتكشف أن منظومة (فاطر 1) ما هى إلا صاروخ «أرض - جو» روسى الصنع متوسط وبعيد المدى، يصل طوله إلى (5.8 متر) ووزنه (600 كلج)، المنظومة تعمل بنظام توجيه حرارى دقيق ووفق تقنية متطورة لا تستطيع الطائرات اكتشاف صاروخها بسهولة، ودخلت هذه المنظومة الروسية الخدمة لأول مرة مطلع أكتوبر 2017.

المنظومات الثلاث الأخرى (ثاقب 1، 2) الدفاعية الجوية، كشف عن أنها نسخ من صاروخ «R 37 جو جو» الروسى الصنع، والصاروخ «R 27 جو جو» الروسى الصنع، مع قيام الجانب الروسى بإدخال بعض التحديثات عليهما، ففى (ثاقب 1) جرى إضافة تعديلات تقنية نوعية على الصاروخ، زادت من دقة إصابة الصاروخ للهدف، حيث كان قد دخل الخدمة فى روسيا للمرة الأولى سبتمبر 2017. أما (ثاقب 2) فقد جرى تطويره لإمكانية تشغيله بنظام «أرض جو»، مع إدخال تعديلات تقنية عليه للتغلب على التشويش الإلكترونى والحرارى الذى تصدره الطائرات، مع امتلاكه قدرة التخفى عن الظهور على رادار الطائرات المستهدَفة. وتبقى المنظومة (ثاقب 3) التى تُعد المعادل المكافئ لمنظومة (فاطر 1)، بعد أن جرى تزويده بنظام توجيه مركب يحقق له قدرة عالية على إصابة أهداف جوية، بالأخص فى مواجهة الطائرات المسيّرة الهجومية أو القائمة بأعمال التصوير والمراقبة.

الذى تأكد لدى قوات الشرعية اليمنية أن هذا التطوير الذى جرى على تلك المنظومات «روسية الصنع» بالكامل، قد جرى فى روسيا، ولم يتم بداخل اليمن، كما الحال سابقاً مع الصواريخ الإيرانية، التى كان الخبراء الإيرانيون يقومون بعمليات التجميع والتطوير وتدريب الأفراد عليها، بداخل مناطق خاضعة لسيطرة قوات «الحوثى»، وكانت تقوم حينها بتغيير أسمائها للتمويه عن بلد المنشأ، فوقت الإعلان لأول مرة عن صواريخ تسمى (بركان 1) و(بركان 2) أوائل 2018، تبين بعدها أنها نسخ طبق الأصل من الصاروخ (Qiam 1) الإيرانى.

بعد أن كشف عن هذا النشاط الروسى، والدلائل التى تشير إلى التورّط فى مد الحوثيين بالدعم التسليحى النوعى، فى خطوات تؤكد من دون أدنى شك السعى الروسى للعب على الحبال اليمنية المتشابكة من خلال تغذية الطلب، فى سوق السلاح النشطة أصلاً فى اليمن، لتشجيع جميع الأطراف على الإفادة والولوج إلى «بازار» السلاح الروسى. لكن يظل التساؤل عن كيفية وصول هذا السلاح إلى الحوثيين، وكيف تمكن تجار السلاح الروس وغيرهم ممن يحملون توكيله، من العبور خلف قرارات الرقابة الدولية ونشاط الاستخبارات المعادية، ممن هم مكلفون بأعمال الرصد والمتابعة لمن سيخرق قرار الحظر الدولى. حيث أصبحت مثل تلك القرارات دون توافر أى إرادة دولية أو آلية فاعلة قادرة على لجم من يذهب للعبث بالمعادلات العسكرية والأمنية على الأرض، مثل الحالة الروسية فى اليمن التى تقوم بذلك، بغرض تحقيق أرباح مالية طائلة، تظل تتدفق على مصانع السلاح طوال مدة اشتعال الصراع، الذى يبدو مؤخراً أن هناك أيادى روسية بدأت تتداخل فيه بمثل تلك التداخلات «التقنية» الكفيلة بإطالة أمده إلى أطول فترة، يمكن خلالها الانتفاع منه بالضخ المالى الذى يرتّب حضوراً سياسياً وعسكرياً فى المستقبل الآنى بالتبعية.

التداخل الروسى لم يقف عند حد التقنيات الصاروخية، فالمعلوم باليمن الآن أن السلاح الروسى يصل إلى أيادى الحوثيين عبر بحر العرب، حيث يخترق الوجود العسكرى لقوات الشرعية اليمنية فى محافظات «المهرة، وحضر موت، وشبوة، وأبين، ومأرب، والبيضاء».

حيث تعد الأخيرة البؤرة الأشهر لتهريب السلاح عبر شبكة من المصالح العميقة فى التهريب، يبرز فيها أسماء شهيرة مثل الوزير بحكومة الانقلاب وتاجر السلاح الشهير «فارس مناع»، الذى يمتلك علاقات كبيرة ووثيقة بكبار تجار السلاح على الضفة المقابلة فى القرن الأفريقى، ويقوم باستيراد السلاح الروسى لصالح «الحوثى» عبر شركائه هناك منذ سنوات، حيث ظل يستخدمهم من أجل توريد السلاح للسودان طوال عقود الحصار على نظام البشير، فهو صاحب تاريخ طويل بهذا النشاط منذ عمله لصالح الدولة اليمنية بالنشاط ذاته وقت حكم الرئيس السابق على صالح. اليوم تلك الخدمات وهذا السلاح الروسى، وتلك الشراكات عابرة للحدود، صارت تعمل لصالح الحوثى، وبغرض دفع الصراع لأسقف زمنية مفتوحة على أكبر قدر ممكن من استنزاف جميع الأطراف.

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://mandabpress.com - رابط الخبر: https://mandabpress.com/news60726.html