2021/05/01
مأرب.. حارسة الهويّة والمنجزات الوطنية

في حين كانت مليشيا الحوثي تزحف لاحتلال العاصمة اليمنية صنعاء أواخر العام 2014، كانت تعد عدّتها لغزو بقيّة المحافظات، وفي مقدمتها محافظة مأرب لما تمثّله من اعتبارات سياسية واقتصادية ولكونها بوابة العبور نحو شرق وجنوب اليمن.

وقبل اجتياح المليشيا الحوثية للعاصمة صنعاء بثلاثة أيام وتحديداً في (18 سبتمبر 2014)، كان أبناء محافظة مأرب- أيضاً- قد أعدّوا عدّتهم وحزموا أمرهم بإعلان تدشين ما سمّي بـ"المطارح" وهي معسكرات شعبية توافدوا إليها بأسلحتهم الشخصية لمواجهة المليشيا الحوثية ومنع سقوط محافظتهم في قبضتها.

وفي حين كانت المحافظات اليمنية- شمالاً وجنوباً- تتساقط واحدة تلو الأخرى أمام زحف مليشيا الحوثي؛ إما بسبب تواطئ الجهات الرسمية أو الخلافات بين الأحزاب السياسية والمكونات المجتمعية، تفرّدت مأرب بكتابة تاريخ جديد خاص بها؛ توّج بإعلان أبناءها بمختلف أطيافهم السياسية وتكويناتهم المجتمعية رفض الإنقلاب الحوثي ووقوفهم إلى جانب الدولة.

مطارح الحرية

لم تكن مليشيا الحوثي تتوقع موقف قويّاً بحجم الموقف الذي اتخذه أبناء مأرب، فبدأت منذ منتصف أكتوبر 2014 بحشد المئات من مسلحيها والدفع بعتاد عسكري ضخم مما نهبته من معسكرات الجيش إلى أطراف المحافظة استعداداً لاقتحامها والسيطرة عليها، وتمركزت هذه الحشود في محورين: في أطراف مديرية مجزر (شمال غرب) والثاني من جهة صرواح (غرب).

وفي المقابل كان أبناء قبائل مارب قد احتشدوا إلى مطارح "نخلا" وإلى مطارح أخرى في مفرق هيلان وفي منطقة السحيل (نحو 20 كم شمال غرب مدينة مأرب)، وبدأوا بتنظيم دوريات لحماية مداخل المدينة من أي اختراق حوثي.

وفي منتصف نوفمبر ٢٠١٤ نظّمت قبائل مارب عرضاً عسكرياً استعرضت خلاله مقاتليها وما بحوزتها من آليات وأسلحة ثقيلة ومتوسّطة، مؤكدة استعدادها للدفاع عن المحافظة مهما كانت الظروف التي تحيط بالبلاد.. مطالبة رئيس الجمهورية والمؤسسة العسكرية والأمنية بتحمّل مسؤولياتها في الوقوف إلى جانب أبناء مأرب لمنع دخول أي مليشيا مسلحة محافظتهم.

وفي ١١ مارس ٢٠١٥، نصبت قبائل مراد مطارح قبلية جديدة في منطقة نجد المَجمَعة ضمت مئات المقاتلين لحماية المدخل الجنوبي للمحافظة المحاذي لمحافظة البيضاء والتي كانت المليشيا الحوثية قد اجتاحتها ونهبت معسكراتها.

وكسرت هذه الحالة الفريدة من الاصطفاف لقبائل مارب والقوى السياسية والمجتمعية فيها أسطورة القوّة الخارقة للحوثيين وأفسدت رغبتهم في السيطرة على منابع النفط والغاز شرق اليمن، بل إن روح التعاون والتلاحم التي جسّدها أبناء مأرب شكّلت الصدمة الأولى للمليشيا التي عادة ما تعتمد على الصراعات والخلافات في حروبها التوسّعية والسيطرة على المدن.

منطلق التحرير

وفي حين كان الجميع يرقب سقوط اليمن نحو المجهول، شكّل التحام قبائل مارب والجوف الأرضية لتوحيد مواقف الأحزاب السياسية خلف مؤسسات الدولة ودعم موقف القيادة الشرعية للبلاد ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، ولتصبح صحراء مأرب مقصداً لكل أحرار اليمن الرافضين لانقلاب المليشيا الحوثية ومساعيها لحكم اليمنيين بالقوّة.

ولاحقاً باتت مارب مركزاً لإعادة بناء المؤسسة العسكرية ومنطلقاً لعملية تحرير بقيّة المحافظات على يد قوات الجيش الوطني مسنودة برجال المقاومة الشعبية- من مختلف أنحاء اليمن- وبتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية.

وشكّل صمود مارب وموقف قيادتها وقبائلها وأحزابها المساند للدولة والنظام والقانون، تحوّلاً في مسار المعركة لصالح قوات الجيش الوطني التي تمكنت من تحرير محافظات الجوف وشبوة وأجزاء من صنعاء وصعدة والبيضاء، وما تزال مأرب تحتفظ بكامل عنفوانها ودورها المحوري في المعركة الوطنية للدفاع عن الجمهورية والثوابت والمكتسبات الوطنية.

لم تكن مارب مقصداً للسياسيين والعسكريين الرافضين للانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية والإجماع الوطني فحسب، بل فتحت أبوابها لكل اليمنيين الذين تعرّضوا لبطش المليشيا الحوثية وظلمها ولكل أرباب الأسر الذين أفقدتهم وظائفهم ومصادر دخلهم ورزق عائلاتهم والذين وجدوا في مأرب خيارات متعددة للحصول على الرزق وسبل المعيشة.

وتحتضن مارب اليوم أكثر من 2 مليون نازح قدموا إليها من مختلف المحافظات اليمنية، ويتوزّعون في أكثر من 150 مخيماً وتجمعاً للنازحين في أنحاء المحافظة، ويتمتّعون بكامل الحرية ويحظون بكل الرعاية والإهتمام والخدمات التي تجتهد قيادة السلطة المحلية بمأرب على تأمينها بكل إمكانياتها.

ورغم إجراءات الحظر التي تفرضها مليشيا الحوثي على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتي تمنع انتقال الأفراد والأسر إلى مارب إلا أن عشرات اليمنيين ما يزالون يتقاطرون يوميًا إليها متجاوزين كل العراقيل الحوثية.

نموذج الدولة

وحول حضور مؤسسات الدولة بمارب، يقول الأكاديمي في جامعة إقليم سبأ الدكتور يحيى الأحمدي، إنه "مثلما كانت مارب استثناء في رفض مشروع الانقلاب الحوثي فقد كانت أيضًا استثناء في تمكين الدولة وإرساء دعائمها وهو ما جعلها حاضرة في البناء والتنمية".

ويضيف الأحمدي، في حديث خاص لـ"أوام أونلاين" أن مارب تحوّلت خلال السنوات الخمس الماضية "من مجمع عمراني صغير إلى مدينة مترامية الأطراف تتربع على صدارة المشهد، وتشكل في مجموعها ملاذًا آمنا لليمنيين".. مضيفاً أنها باتت "في طليعة المحافظات استقبالًا لأعداد النازحين، فالإحصائيات الرسمية تتحدث عن أكثر من ٣ مليون نازح استقر بهم المقام في مارب".

ويتابع: "لقد مضت مأرب في مسارين: التنمية والبناء والازدهار، ومسار التحرير واستعادة الدولة من جهة أخرى، ومثلما قبلت تحدي منازلة الانقلابيين فقد خاضت تحدي البناء والتنمية، وبذلت في ذلك جهودًا عظيمة". لافتاً إلى أن مارب "باشرت المهمة بإمكانياته المتواضعة التي تغلبت عليها من خلال حزمة من المعالجات والخطط المدروسة قدمت الشرعية من خلالها نموذجًا مشرفًا في التنمية والبناء وتمثل قيم الدولة".

بوابة الدولة وحول ما تمثّله مارب اليوم بالنسبة لليمنيين، يقول الدكتور الأحمدي، في حديثه لـ"أوام أونلاين" إن مارب الحضارة والتاريخ والنضال والتنمية هي اليوم التجسيد الفعلي للدولة وطريق العبور نحو الجمهورية والسلام والاستقرار.

ويضيف: "لا تزال مأرب اليوم رافعة مشروع الدولة حارسة لمنجزات تضحيات اليمنيين وحامية لمكتسباتهم الوطنية ومنشآتهم الحيوية، ولا تزال توفر فرص الافلات من المستنقع الايراني الذي يوزع مليشياته السلالية في سبيل تحقيق أطماعه".  ويشير الأحمدي، أيضاً، إلى أن مارب ما تزال "توفر أرضية لتوحيد اليمنيين والالتفاف خلف مشروع استعادة الدولة، ومجابهة المشروع الحوثي المدعوم إيرانيًا الذي لا يمكن معه أن ينعم اليمنيون بالأمن والاستقرار، ولا العيش بسلام".

أوام اونلاين  

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://mandabpress.com - رابط الخبر: https://mandabpress.com/news62655.html