على رغم إقراره بالوضع الحرج الذي تمرّ به الموازنة العامة، أكد وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني، محمد الميتمي، قدرة الحكومة ووزارة المال على دفع رواتب الموظّفين وفوائد الدَّيْن العام ودعم المشتقات النفطية.
وأوضح في حديث إلى «الحياة» أن «ما تناقله بعض وسائل الإعلام عن عجز الحكومة عن دفع الرواتب، ليس له أساس من الصحة». وأضاف: «الدولة ما زالت لديها موازنة وموارد للوفاء بالتزاماتها تجاه القضايا الاجتماعية الكبرى. الحديث يدور عن الحرج المالي في الموازنة في ما يتعلّق بالباب الرابع (الباب الاستثماري) وهو الشرط الأساس للنمو والتنمية. وهنا تكمن المعضلة، ما يدفع باليمن إلى الاستعانة بالمانحين لمساعدته في تنفيذ المشاريع نظراً إلى أن الموازنة غير مؤهّلة للتعامل معها».
ورأى أن عجز الموازنة «هو حصيلة تراكم عقود من الزمن، ونتج من غياب رؤية تنموية صحيحة واستراتيجيات، ما أوصلنا إلى هذا الوضع المالي الحرج في الموازنة التي صارت النفقات التشغيلية فيها تستأثر بأهم بنودها». ولفت إلى أن «العملة اليمنية ما زالت صامدة وثابتة وهذا مؤشر إيجابي، وجواب قاطع على الذين يشكّكون في قدرة الحكومة على دفع الرواتب».
وأضاف: «عندما تعجز الحكومات في أي بلد عن دفع الأجور والرواتب، فأول مؤشر على الإفلاس العام هو انهيار العملة».
إنتاج النفط وأسعاره
ورداً على سؤال عن أثر تراجع أسعار النفط على اليمن صاحب الإنتاج المحدود والمتراجع أجاب: «تراجع أسعار النفط من أكثر من 100 دولار إلى 60 دولاراً للبرميل، أعتبره قوة سلبية تضاف إلى العوامل المؤثرة في الموازنة». واعتبر أن «إحدى المشاكل الاقتصادية الكبرى هي اعتماد الاقتصاد اليمني وموازنة الدولة بدرجة أساس على مكوّن واحد في إيراداته هو النفط، والإنتاج في تراجع لأسباب تقنية كما أن العائدات في تراجع بسبب أعمال تخريب المنشآت (...) هذه الحكومة عقلانية وموضوعية جداً في التعامل مع المعطيات والمؤشرات بوضع أولويات تتمثّل في مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي ترى ضرورة يجب مقاربتها لكسب ثقة المجتمع أولاً، وتقديم الحلول لفئات المجتمع الأكثر تضرّراً ثانياً. ولهذا ستخصص الحكومة طاقتها المالية المتاحة سواء من الموازنة أو بالشراكة مع المانحين».
وقال: «إن تراجع الاحتياط النفطي والإنتاج والأسعار وعمليات التخريب يخلّف مشكلة مالية ونحن في وضع حرج، هناك توقعات كبيرة لدى الناس من الحكومة وهناك آمال (...) والحكومة تطمح في أن تقدم للناس جزءاًً من طموحهم».
وأضاف: «أدعو أشقاءنا في دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمهم السعودية لدعمنا».
وتابع: «هناك تحفّظات خلال فترة سياسية معينة على تسريع هذه المنح والمساعدات، حان الوقت أن يبرهنوا التزامهم، وأن يسرّعوا تنفيذ تعهداتهم البالغة 10.8 بليون دولار وأطالب بمزيد منها في المرحلة الآجلة. أنا لا أؤمن بأن المساعدات والمنح تطلق تنمية، لكن في هذا الوضع الذي يعيشه اليمن نعلّق الأمل على أصدقاء اليمن والمانحين خصوصاً في دول الخليج».
قلق المانحين
ورداً على سؤال حول وجود توتر في العلاقات بين اليمن والمانحين، قال الوزير اليمني: «ليس توتراً إطلاقاً (...) الحقيقة انني أسمع دائماً وتكراراً من أشقائنا في الخليج والمملكة التزامهم ووقوفهم إلى جانب الشعب اليمني (...) هناك قلق ساد في الفترة الماضية ولم يعد موجوداً، الوضع السياسي أفرز ظرفاً يمنع وصول المنح والمساعدات إلى المستهدفين، الآن نحن نقول ان هذه المخاوف غير موجودة. هناك بنك مركزي وحكومة مطّلعة ومتعهدة أن تظل هذه الموارد داخل المؤسسات الرسمية، وسنعمل جاهدين على أن تصل إلى الشعب وإلى الفئات المحتاجة».
وعن أولويات وزارته في ضوء برنامج الحكومة، قال الميتمي: «لسنا وزارة تنفيذية، بل وزارة استراتيجية تخطيطية، وأولويات الوزارة حشد الموارد وخلق آلية فعّالة وسريعة لوصول المنح والمساعدات إلى البرامج والمشاريع المتفق عليها».
واستطرد: «هناك خمس أولويات للحكومة تتمثّل في تحقيق الأمن واستعادة ثقة المواطن في مؤسساته وخصوصاً الأمنية منها. وهذه مهمة تحتاج إلى موارد مالية، ومراكز الشرطة والمؤسسات التي تضرّرت من النزاعات والصراعات السياسية بحاجة إلى موارد لتعزيز مكانتها».
وأضاف: «هناك موضوع الطاقة، إذ إن ثلثي السكان لا يحصلون على الكهرباء، مهمتنا الأساس في الأمد القصير تشغيل برامج الطاقة المتاحة المتفق عليها مثل محطة مأرب 2 وإعادة إصلاح الشبكة لتعزيز كفاءتها».
كما تحدث عن «موضوع الماء وهو مشكلة كبرى. طبعاً هناك مشكلة الأمن الغذائي، فوفق تقارير دولية هناك أكثر من عشرة ملايين يمني يعانون من فقدان الأمن الغذائي».
ولفت إلى أن السفير السعودي في صنعاء أعلن صدور توجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتخصيص 54 مليون دولار كمساعدة طارئة لتوفير 45 ألف سلة غذائية تستهدف ربع مليون شخص.
وأكد الميتمي أن «الحكومة محكومة بوثيقتين مهمتين هما مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل واتفاق السلم والشراكة الوطنية، وهذه الوثيقة لا تستطيع الحكومة أن تتجاوز مبادئها ولا قواعدها ولا آليتها. وبالتالي نحن نتعامل مع هذه الأطر والاتفاقات».
وشدد على وجود «تضخّم حكومي فعدد الموظفين في أجهزة الدولة تجاوز 1.2 مليون، وهو عدد كبير جداً وتقريباً من كل أربعة من قوة العمل هناك واحد في القطاع الحكومي». وتابع: «هناك شيء لافت فخلال السنوات الثلاث الأخيرة وظف أكثر من 270 ألفاً في أجهزة الدولة وهذا رقم كبير. أمام هذه الحكومة تحديات لأن هؤلاء الموظفين لا يمكن شطبهم بجرة قلم، هناك التزام قانوني واجتماعي واقتصادي وأدبي وأخلاقي، وهناك المتقاعدون الجنوبيون والوظائف الوهمية والمكرّرة والمتعاقدون في الحكومة. سنعمل في الحدود والموارد والبيئة المتاحة لنخفّف من الضغوط على موازنة الدولة».
مشكلة الفساد
وعن مشكلة الفساد في اليمن الذي جاء في تقرير الشفافية الدولية للعام الحالي على المرتبة 161 بين 175 دولة، رأى الميتمي أن الفساد مشكلة كبيرة ليس في اليمن فقط وإنما في الكثير من البلدان العربية.
وقال: «كلما غابت الدولة بمؤسساتها المتناغمة والفاعلة كان للفساد حضور، يُلاحظ أن بؤر الفساد تكاثرت في السنوات الأخيرة عندما تراجع دور الدولة، ولهذا المهمة الرئيسة للحكومة هي استعادة هيبة الدولة وفاعليتها وأنظمتها».
وتابع: «الفساد ظاهرة موجودة في الكثير من المجتمعات. من أجل مقاربته وحلّه يحتاج إلى الدولة الحاضرة القوية التي يثق بها مجتمعها (...) نحن نطلب من الفئات الاجتــماعية ونناشدها، بخاصة القوى الفاعلة والأحزاب السياسية، مساندة الحكومة للتخلّص من الفساد».