بينما تشتعل جبهة الصراع الإقليمي بين إيران وإسرائيل، على وقع ضربات متبادلة وهجمات تتجاوز الجغرافيا التقليدية، يجد اليمنيون أنفسهم يراقبون هذا المشهد المتفجر دون أن يحملوا أي تعاطف تجاه أي من الطرفين، بل في كثير من الأحاديث الشعبية والمنشورات اليومية يعبّر المواطن اليمني عن رفضه الكامل لكليهما، ويضعهما في خانة واحدة عنوانها: العداء للشعوب العربية.
الذاكرة اليمنية لا تحمل وداً لإيران، فقد دفعت البلاد ثمناً فادحاً لتدخلاتها السافرة في الشأن اليمني، ووقوفها العلني إلى جانب جماعة الحوثي التي اجتاحت مؤسسات الدولة، وأشعلت حرباً داخلية ما تزال مستمرة منذ نحو عقد من الزمن. كثير من اليمنيين ينظرون إلى إيران بوصفها اليد التي غذّت الانقلاب، وزوّدت الجماعة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ودربت المقاتلين، وقدّمت خطابًا دينيًا متطرفًا مزّق النسيج الوطني، وجعل من اليمن ساحة صراع لا قرار فيها للسكان ولا سيادة فيها للدولة.
لقد تسببت هذه الحرب، التي تولّت إيران دور الراعي الرئيسي فيها، بمقتل وجرح مئات الآلاف، وتشريد ملايين اليمنيين، وانهيار الاقتصاد الوطني، وتفكك مؤسسات الدولة، وتحوّل اليمن إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم. من هذا المنطلق، لا يمكن لليمني الذي رأى بلاده تُنهب وتُدمّر بأيدٍ حوثية مدعومة من طهران، أن يتمنى السلامة لطرف لعب هذا الدور التدميري بكل وقاحة.
أما إسرائيل، فهي بالنسبة لليمنيين ـ كما لغالبية العرب ـ العدو الأزلي والتاريخي الذي احتل فلسطين وشرد أهلها، وقام على مشروع اغتصاب أرض عربية لا يزال قائماً إلى اليوم. لا حاجة لليمنيين لتدخل مباشر من إسرائيل في شؤونهم حتى يرفضوها؛ فموقفهم منها راسخ، يرتكز على إيمانهم بعدالة القضية الفلسطينية، ورفضهم المطلق لأي كيان يكرّس الاحتلال ويقمع شعبًا عربيًا. لذا فإن هذا العداء ليس وليد اللحظة، ولا مرتبطاً بالموقف من الصراع الحالي مع إيران، بل هو موقف مبدئي لا مساومة فيه، وهو ما يجعل التعاطف مع تل أبيب في هذه الحرب خارج حسابات اليمنيين تمامًا.
وفي استطلاع آراء أجرته "صحيفة عدن الغد"، قال العديد من المواطنين إنهم لا يجدون أنفسهم معنيين بتمني النصر لأي من الجانبين، بل يرون أن كليهما أسهم، بشكل أو بآخر، في بؤس المنطقة. إيران دمّرت اليمن، وإسرائيل تحتل فلسطين، وكلاهما ـ بحسب تعبيرهم ـ وجهان لعملة واحدة عنوانها القتل والاستعلاء والنفاق السياسي.
من جهة أخرى، تتضاعف نقمة اليمنيين مع دخول جماعة الحوثي على خط التصعيد، وإطلاقها صواريخ من اليمن في اتجاه البحر الأحمر بزعم استهداف مصالح إسرائيلية. ويرى مواطنون أن الجماعة تستخدم القضية الفلسطينية ذريعة للتموضع السياسي وتسجيل الحضور ضمن المحور الإيراني، دون أن يكون للقضية أي ارتباط حقيقي بممارساتها في الداخل اليمني، حيث تقمع وتنهب وتقتل باسم الدين والمقاومة، لكنها لا تمثل شيئًا من تلك القيم فعليًا.
وفي منشورات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، كتب كثيرون أن الحوثي يقاتل من أجل طهران، لا من أجل القدس، وأن صواريخه لم تُطلق يوماً إلا على المدن اليمنية، بينما يتظاهر اليوم بالدفاع عن الأمة الإسلامية في وقت يُمعن فيه في تجويع الشعب ونهب موارده.
ومع اتساع رقعة الحرب بين إيران وإسرائيل، يتعاظم لدى اليمنيين الشعور بأنهم مجرد ساحة هامشية في حسابات اللاعبين الكبار، وأنهم دُفعوا دفعاً ليكونوا وقوداً لمعارك لا تعنيهم، ومع ذلك يدفعون ثمنها. لذلك لم يعد مستغربًا أن ترى في الشارع اليمني من يعلن صراحةً: "لا نريد السلامة لإيران التي دمّرت وطننا، ولا لإسرائيل التي تغتصب أرضًا عربية منذ أكثر من سبعين عامًا".
في النهاية، يجد اليمني نفسه محاصرًا بين عدوين لا يختلفان كثيرًا في نظره، أحدهما احتل فلسطين بالقوة، والآخر احتل اليمن عبر وكلائه. وبينما يتبادل الطرفان القصف في سماء الشرق الأوسط، لا يشعر اليمنيون بأن لهم مصلحة في انتصار أي منهما، بل يُجمعون على أن السلام الحقيقي لن يأتي إلا من تحرر الشعوب من الاحتلال والطائفية والخيانة السياسية، ومن استعادة القرار الوطني بعيدًا عن أدوات الاستعمار الجديد، سواء أتت من تل أبيب أم من طهران.