الأرشيف

مَنْ لم يمُت بالسيف في اليمن، مات عطشاً

الأرشيف
الثلاثاء ، ٠٨ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٣:٥٣ مساءً

هشام الخولاني


أسوأ ما في حال اليمن اليوم، أن كل الموت الذي يمرّ به ليس أخطر ما يواجهه. فقبل أعوام، حذر البنك الدولي من أن صنعاء ستكون أول عاصمة في التاريخ ينضب منها الماء. وهناك أكثر من 4 ملايين يمني يعيشون في العاصمة وضواحيها. وتفاقم الحرب الأخيرة المشكلة، بفعل النزوح الكثيف لمئات آلاف اليمنيين الى خارج المدن أو القرى، مما شكل ضغطاً جديداً على موارد قليلة بالأصل. تقدّر الموارد المائية المتاحة في اليمن بنحو 115 متراً مكعباً للفرد سنوياً، وهو ما يعادل تقريباً 2 في المئة من المعدل المحدد للفرد من قبل المنظمات العالمية المعنية.

 

واحد في المئة من الميزانية للمياه!

لم تأبه الحكومات المتعاقبة في اليمن لهذه القضية لكونها ليست جزءاً من الاستقطابات السياسية الداخلية او الخارجية. المشكلة متراكمة يمتزج فيها شح الأمطار وازدياد عدد السكان وانتشار مشاريع ري تقليدية تهدر المياه الشحيحة أصلاً، وتوسّع زراعة القات التي تستهلك كميات هائلة من المياه.

 

وعلى الرغم من الثورة الشعبية في العام 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أن حكومات المرحلة الانتقالية لم تعر هي الأخرى أي اهتمام لحل المشكلة. وهذا ما كان واضحاً في عدم رفع ميزانية وزارة المياه والبيئة، التي بقيت عند حدود 20 مليار ريال يمني، أي أقل من 100 مليون دولار، وتمثل أقل من واحد في المئة من الميزانية العامة للدولة وأقل من 10 في المئة مما يُخصّص لميزانية وزارة الدفاع. كانت عدم مبالاة الأطراف السياسية بقضية خطيرة كالمياه واضحة، اذ وبينما جرت معارك سياسية عنيفة على مختلف الوزارات بين الأطراف السياسية حينها، فلم يقاتل للحصول عليها أحد وتمّ تعيين مختص بعلم النفس وزيراً للمياه!

 

في العام 2014 وقبل اندلاع الحرب الأخيرة، أشارت إحصائية لمكتب الأمم المتحدة في صنعاء إلى أن 13 مليون نسمة – أي أكثر من نصف عدد سكان البلاد - يعاني من صعوبات في الحصول على مياه نظيفة. لكن في الواقع لم يدقّ أي سياسي او جماعة ناقوس الخطر، لا يوجد طرف سياسي واحد تطرّق للكارثة في أي خطاب سياسي، لا قبل الحرب ولا بعدها، بينما لم تفعل الحرب غير دفعها الى التفاقم.

 

فما رافقها من حصار جوي وبحري وبري أدّى الى انهيار الوضع الإنساني بسبب نقص الغذاء وتدهور الوضع الصحي وانقطاع الكهرباء وانعدام الوقود، وهذه الأخيرة سببت توقّف مضخّات مشاريع المياه الحكومية والتي كانت تضخ قبل الحرب مرّة كل عشرة أيام. أصبح وجود سيارة مياه في أي حارة بالمدن مدعاة لبهجة واحتفال سكان الحي، الذين يهرعون لملء أوانيهم بالمياه.

 

الحرب تضاعف المشكلة

زادت المعارك البرية للحوثيين وصالح وعمليات القصف لطائرات التحالف، بالإضافة إلى نقص الوقود، من أعداد اليمنيين المجبرين على شرب المياه غير الآمنة، حيث ارتفع عدد من لا يملك امدادات المياه النظيفة والصرف الصحي الى ستة عشر مليون شخص على الأقل، حسب ما أشارت إليه منظمة أوكسفام في تقرير أصدرته مؤخراً.

 

أدّى غياب المياه النظيفة الى ارتفاع الإصابة بالأمراض مثل الإسهال والكوليرا والملاريا، وكما أدّى نقص المياه وارتفاع درجة الحرارة وتراكم المخلفات (القمامة) في المدن التي هي ساحة الحرب الرئيسية، الى ارتفاع عدد الأشخاص المصابين بحمى الضنك، وحصدت محافظة عدن أعلى المعدلات، فبلغت في شهر واحد (أيار/ مايو الماضي وحتى منتصف حزيران/يونيو) 8036 مصاباً، وسجلت 586 حالة وفاة، حسبما أشارت تقارير المنظمات الصحية المحلية والدولية.. إلا أن هذه الإحصائيات لا تشمل الحالات التي لم تصل إلى المستشفيات!

 

لم يعد معنى السلام لدى اليمنيين هو مجرد وقف آلة الحرب وتحقيق الأمن، بل صار بالنسبة إليهم هو توفير المياه الصالحة للشرب، فهم ضحايا لأزمة المياه سواء في زمني السلم أو الحرب. وان كانت الأخيرة تضعف من حيلتهم.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)