الرئيسية > عيون الصحافة > صعدة معقل التمرد ومرتكز الانتصار المُرتقب

صعدة معقل التمرد ومرتكز الانتصار المُرتقب

صعدة معقل التمرد ومرتكز الانتصار المُرتقب

تمتد محافظة صعدة في شمال اليمن على مساحة تساوي مساحة لبنان، والسيطرة عليها تعني القضاء على المشروع الإمامي الذي حرص على جعلها مقاطعة خاصة بهذه الرؤية التي كلفت اليمن أنهاراً من الدماء وعقوداً من الصراع أفشل كل مساعي بناء دولة مركزية حديثة.

 

وتعتبر صعدة همزة الوصل بين اليمن والسعودية بالإضافة إلى موقعها على طريق حضرموت من العبر إلى الجوف ومأرب وشبوة وعمران القريبة من صنعاء، كما تمتد غرباً إلى أطراف تهامة قبل سواحل البحر الأحمر. وبدأت فعلياً قوات الشرعية المعارك على أطرافها كما كثف طيران التحالف أخيراً غاراته على مواقع الانقلابيين العسكرية في المحافظة التي تعتبر السيطرة عليها مرتكزاً للانتصار المرتقب للشرعية في اليمن.

 

وإذا كانت المحافظة منطلق دعوة الأئمة وظهورهم فإنها وعقب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي أطاحت بذلك النظام في شمال البلاد ظلت أسيرة لهذا الفكر والجماعة التي ترى أنها الأحق بالحكم دوناً عن الغالبية العظمى من الشعب اليمني، ودفع سكان المحافظة البالغ عددهم 900 ألف نسمة ثمناً باهظاً لتخلي الحكومات المتعاقبة عنهم، وجعلهم أسرى لهذه الجماعة التي استكانت في الظاهر ووجدت في الثورة الإيرانية الملاذ الآمن لإعادة إحياء مشروعها التدميري.

 

بعد الثورة على الحكم الإمامي لجأ إلى صعدة الأمير محمد أحد أحفاد الإمام يحيى حميد الدين وقتل في الحرب ضد الجمهورية الوليدة وكان قاب قوسين من إعادة أسرة آل حميد الدين إلى حكم اليمن حين حاصر صنعاء في الحصار المعروف باسم حصار السبعين يوماً في نهاية العام 1967 ومطلع 1968، لكن مجريات الأمور والهزيمة التي مني بها أجبرته على مغادرة البلاد بشكل نهائي.

 

استفاد هؤلاء من تضاريس المحافظة الصعبة في البقاء بعيداً عن أعين الدولة المركزية الضعيفة أصلاً، حيث إن شمال وغرب المحافظة سلسلة جبلية تبدأ من الشمال الغربي حتى الأجزاء الغربية لصعدة، وتكويناتها توفر العديد من الخامات المعدنية فيها.

 

بالإضافة إلى كونها الخزان الرئيسي الذي يزود حوض صعدة بالمياه، وتمتد هذه السلسلة لتشمل جبال جماعة ومنبه وغمر ورازح وجبال خولان بن عامر، ويتراوح متوسط ارتفاعها ما بين 1500 و2500 متر عن مستوى سطح البحر.

 

أما شرق المحافظة فيتكون من قمم جبلية شديدة الوعورة والارتفاع وتتخللها الواحات والصحاري الداخلية وتقطعها العديد من الوديان الواسعة التي تصب في صحراء الربع الخالي كوادي أملح ووادي آل أبو جبارة، وتشتد الحرارة صيفاً وتنخفض قليلاً في الشتاء وهطول الأمطار فيه نادرة.

 

أول محاولة

في منتصف السبعينيات جرت أول مساعي الحكومة المركزية في صنعاء لإنهاء سيطرة الأئمة على المحافظة لكن المحاولة التي قوبلت بمعارضة من مراكز النفوذ القبلي انتهت مع وصول الرئيس المخلوع علي صالح إلى الحكم، حيث اعتمد على تلك المراكز في إدارة المحافظة والتعايش مع الجماعة الإمامية التي استمرت في إقامة المدارس الدينية والسيطرة الفكرية على سكان المحافظة .

 

وكان بدر الدين الحوثي والد زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي الأب الروحي لنشر هذا الفكر في الأرياف والمناطق الجبلية الشمالية الغربية للمحافظة قبل أن ينتقل منتصف الثمانينيات إلى قم لتعميد التحالف مع إيران وفتح الباب أمام إرسال المئات من الطلاب إلى هناك والحصول على الدعم المالي والسياسي.

 

مع قيام الدولة اليمنية الموحدة في بداية التسعينيات وإقرار التعددية السياسية أسس الحوثي وآخرون حزب الحق واستحوذ على مقعدين في المجلس النيابي عن المحافظة وتوثقت علاقاته مع إيران وحزب الله اللبناني وسافر المئات من أفراد الجماعة إلى لبنان وسوريا وإيران.

 

لكن الحزب الذي فشل في التعايش مع المنظومة السياسية لتعارضه مع رؤية غالبية الشعب في اليمن وإدراكه استحالة الوصول إلى الحكم وفق الآلية الديمقراطية عصفت به الخلافات وبدأ الرجل يجنح نحو تشكيل مسلح للانقضاض على الحكم وهو ما تم له في سبتمبر من العام 2014.

 

السكان أسرى

دفع سكان صعدة الذين يعمل غالبيتهم في الزراعة ثمناً باهظاً لغياب الدولة ومشاريع التطوير وظلوا أسرى الجماعة الأمامية التي تشكل وعيهم وتسيطر على مدارس التعليم والمساجد وتمتلك الأراضي التي انتزعت ملكيتها طوال فترات الصراع على الحكم منذ ما يزيد على 1000 عام، حيث كانت المحافظة مركزاً لانطلاق غزوات الأئمة على صنعاء ومختلف مناطق اليمن إذ يجتاح هؤلاء كثير من المناطق لكنهم يهزمون ويعودون للتمترس في صعدة.

 

في نهاية التسعينيات بدأ الرئيس المخلوع علي صالح مشروعه التدميري الجديد لليمن، فدعم الإماميين في تأسيس منتدى الشباب المؤمن بهدف ضرب خصومه السياسيين، وسمح بإنشاء مدارس دينية فكرية لهؤلاء، وسهل لهم مهمة إرسال المقاتلين للتدريب في لبنان وإيران، وابتعاث المئات للدراسة في مدينة قم، وفي العام 2004 وجد فيهم ضالته لتمرير مشروع التوريث، حيث أعلن حرباً عليهم انتهت بمقتل زعيم المنتدى وأحد مؤسسيه حسين بدر الدين الحوثي.

 

تدمير الجيش

وطوال الحروب التي استمرت ستة أعوام حرص المخلوع على تدمير وحدات الجيش التي لم تعلن الولاء له ولنجله وأغرقها في حروب صعدة، حيث كان يدعم الطرفين - الحوثيين وتلك الوحدات - لإطالة أمد الحرب لاستنزافهم حتى تتهيأ الأجواء لإنجاز مشروع التوريث ولابتزاز الخارج وبالذات دول الجوار حين قدم نفسه محارباً للتمدد الإيراني في شمال اليمن.

 

لكن اللعبة انفضحت في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام 2006 حين صوت أغلب سكان صعدة الخاضعة للسيطرة الكاملة للحوثيين لصالح الرئيس المخلوع في مواجهة منافسه القوي فيصل بن شملان مرشح المعارضة.

 

ورغم هذه الدلائل القوية على المخطط التدميري الذي يتبعه المخلوع لم يتنبه الداخل والخارج لذلك، واستمر الرجل في لعبته حتى انتهاء مؤتمر الحوار الوطني وإقرار إقامة دولة اتحادية تنهي مظالم الجنوب والشمال وسيطرة منطقة على مقدرات اليمن، حينها أدرك استحالة العودة إلى السلطة، ففتح أبواب عمران أمام جحافل الحوثيين الذين مكنهم من الاستيلاء على أكثر من 70 في المئة من أسلحة الجيش قبل أن يفتح لهم أبواب صنعاء ويدفعهم لاجتياح بقية المحافظات.

 

إضاءة

تقع محافظة صعدة شمال غرب صنعاء، وتبعد عنها حوالي 242 كيلو متراً، ويشكل سكان المحافظة ما نسبته 3.5 في المئة من إجمالي سكان البلاد وعدد مديرياتها 15 مديرية، ومن أهم مدنها البقع.

 

وتعد الزراعة النشاط الرئيسي لسكان المحافظة، حيث تنتج المحافظة بنسبة تصل إلى أربعة في المئة من إجمالي الإنتاج الزراعي في اليمن قبل أن يحولها الإنقلابيون إلى سجن كبير ومركز للتدريب على الحروب وصناعة المتفجرات والألغام.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)