الأرشيف

الأفضل للحوثيين.. أجندة يمنية

الأرشيف
الاربعاء ، ١٦ مارس ٢٠١٦ الساعة ١١:٤٣ صباحاً

عبدالوهاب بدرخان


كانت استعادة عدن بداية النهاية للحلم الإيراني بالسيطرة على اليمن واستخدامه منصة للتمدّد خليجياً، وكانت السيطرة على مأرب بداية الطريق إلى صنعاء لإنهاء حلم الحوثيين بالاستيلاء على الحكم والتحكّم بمصير اليمنيين، وسيشكّل فكّ الحصار عن تعز بداية النهاية لحرب اليمن. لم تنتهِ الصعوبات بعد، لكن ما تحقّق خلال عام لم يكن متصوّراً لحظة هبوب «عاصفة الحزم»، وما تبقّى من مراحل لا يتطلّب سوى مجرد وقت. قامت السعودية والإمارات خصوصاً، وشقيقاتهما الخليجيات ودول «التحالف العربي» عموماً، بما توجّب عليها ليس فقط تجاه اليمن وأهله، بل تحديداً تجاه مستقبل أمنها واستقرارها وكرامة شعوبها. وبعد الشهور التي مرّت، بقساواتها ولكن بإنجازاتها أيضاً، يتأكّد أكثر فأكثر أنه مهما كانت القوى الدولية معادية وماكرة ومؤثرة فإنها لا تستطيع تعطيل الإرادة السياسية متى كانت قوية، ولا إضعاف القرار متى كان صائباً.

 

إذا كان لقاء مسؤولين سعوديين مع قياديين حوثيين دلّ إلى شيء، فقد دلّ أولاً إلى أن الرياض وحلفاءها لم يتعاملوا أساساً مع هذه الجماعة باستهداف إقصائي أو اجتثاثي، بل بهدف الردع السياسي الذي تحوّل قسراً إلى ردع عسكري. وبمعزل عن أي نتائج مباشرة أو محتملة لهذا اللقاء فلعله أظهر للجانب الحوثي أن جنوحه إلى التعصّب والتطرّف كان خطيئة مكلفة، وأن استعادته شيئاً من العقلانية ستكون بالتأكيد أكثر جدوى. وهذا يعيد الأمر إلى لحظة اشتعال الحرب، حين أشار البيان الأول إلى أهدافها: إعادة الحكومة الشرعية ومساعدة اليمنيين على بلورة حل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة وفقاً للقرارات الدولية والمبادرة الخليجية وتوصيات الحوار الوطني اليمني.

 

ليست السعودية ولا أي دولة خليجية أخرى مَن اختار الرئيس الشرعي، ولكنها أيدته للمرحلة الانتقالية، ولم تكن وحدها راعية الحل الانتقالي بل شاركتها الدول الكبرى في مختلف المراحل، ولم تكن طرفاً في الحوار الوطني الذي شارك فيه الحوثيون، وتحدّدت خلاله مستويات تمثيل القوى المحلية كافة، ولا كانت طرفاً في مخرجات هذا الحوار الذي أخذ وقته كاملاً ليستوفي مجمل القضايا الوطنية. كذلك لم تكن السعودية ودول الخليج شريكة للولايات المتحدة وغيرها (خدمةً للمفاوضات النووية مع إيران) في غضّ النظر عن تحركات الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق وسعيهم إلى زعزعة الحكومة الشرعية، ولم تكن رافضة التسويات بين الحكومة الشرعية والحوثيين حين كان هؤلاء يستخدمون المبعوث الأممي السابق في تمويه خططهم للاستيلاء على السلطة، حتى أن مجلس التعاون أصدر بياناً يؤيد ما سمي «اتفاق السلم والشراكة»، آملاً أن يتحقق ما ينص عليه، علماً بأن الحوثيين ضغطوا بالقوة على مختلف الأطراف كي توقّعه وحين أعلن رسمياً وتلفزيونياً عن هذا التوقيع كان الحوثيون وعسكر علي عيدالله صالح قد أنهوا السيطرة على العاصمة وصاروا أسياد الموقف.
لو كانت الأجندة يمنية بحتة لما كان للحوثيين أن تصرّفوا بهذا الحدّ من التهوّر والهَوَج، لكنها كانت إيرانية ومخططة لتواكب المفاوضات النووية ولتتزامن خطواتها مع وشوك التوصل إلى اتفاق، ما يتيح لطهران إعلان أنها تخلّت عن برنامجها النووي لقاء ابتلاع اليمن والسيطرة على باب المندب.

 

ولذلك كانت استعادة عدن عشية توقيع الاتفاق بالغة الدلالة والمغزى، وقبل ذلك كان أيضاً فرض الحصار البحري وحرمان السفن الإيرانية من الاقتراب من شواطئ اليمن مع محاولات مستميتة للمناورة من خلال المفاوضات النووية للحصول على وقف لإطلاق النار. بعدئذ فقدت الاستراتيجية الإيرانية- الحوثية قوة الدفع ولم يبقَ لها سوى التركيز على موازين القوى التي يوفّرها الإمساك بالأرض أو فرض الحصارات كما حصل في تعز، مع ما يعنيه ذلك من مفاقمة متعمَّدة للأوضاع الإنسانية وإصرار على توسيع رقعة الدمار. وكل ذلك سيترك مستقبلاً، للأسف، آثاراً سيئة في المجتمع وعلاقات التعايش السلمي بين مكوّناته.

 

استهان الحوثيون بالحرب واعتبروها اللعبة التي تمنّوها وحصلوا عليها، لم يبالوا بخسائرهم البشرية ولا بالأضرار النفسية الفادحة للشعب ولا بالخسائر الاقتصادية للبلد، وفي غمار هذه «اللعبة» اكتشفوا أن الأصعب من الحرب هو ما بعدها، لأنهم اكتشفوا خصوصاً أنهم ضُلّلوا بأطماع الحليف الأكبر (إيران) الذي لم يتمكن من نجدتهم كما توقّعوا، وضَلّلوا أنفسهم أولاً بقدرتهم على السيطرة والحكم، وثانياً بجدوى الاعتماد على حليف منتهي الصلاحية (صالح).

 

والأكثر صعوبة أن يعترفوا الآن بأنهم لن يستطيعوا الاستمرار كقوة خارج الدولة وفوقها إلا إذا أشعروا مواطنيهم بأن أجندتهم باتت يمنية أولاً وعربية ثانياً.

 

عن الاتحاد

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)