الأرشيف

أزمة اليمن ولعبة الوقت

الأرشيف
الخميس ، ٠٥ مايو ٢٠١٦ الساعة ١٠:٢٧ مساءً

د. أحمد عبد الملك


بينما ينتظر اليمنيون والخليجيون نتائج حوار الكويت، لإيجاد مخرج للأزمة الطاحنة في اليمن، بدأ تراشق يمني خارج الحدود، وفي قاعة الاجتماعات التي ضمت الحكومة الشرعية والانقلابيين (جماعة الحوثي والموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح)، فقد ظهرت صحف الأحد الماضي ناقلةً اتهام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي للحوثيين وحلفائهم بعدم الجدية في إنجاح محادثات السلام التي تحتضنها دولة الكويت منذ 21 أبريل الماضي برعاية الأمم المتحدة. وكانت المحادثات قد تعثّرت في بدايتها وتأجلت سبعة أيام، حيث اعتبر الشيخ صباح الخالد رئيس مجلس الوزراء بالإنابة وزير الخارجية الكويتي أن المشاورات اليمنية تشكل فرصة تاريخية لإنهاء الصراع الدائر وحقن دماء أبناء الشعب اليمني، ودعا الجانبين إلى تلمس طريق الحكمة ومراعاة معاناة الشعب اليمني، مشيراً إلى أن «الحرب لن تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والخراب والخسائر والتشريد، وسيدفع الشعب اليمني الشقيق الجزء الأكبر من تكاليفها تأخراً في تنميته، ودماراً في بنيته.. وهلاكاً لمجتمعه».

وسبق للرئيس هادي أن طالب الأمم المتحدة بالضغط على القوى الانقلابية للتعاون الإيجابي في المحادثات دون شروط مسبقة، من أجل استئناف العملية السياسية الانتقالية حسب المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات الأمم المتحدة، وأهمها القرار 2216. كما اتهم هادي الطرفَ الآخرَ بالتلكؤ واستخدام عنصر الوقت كتكتيك تفاوضي، في محاولة لاستنساخ نموذج «حزب الله» في اليمن، وتوسيع مشروع الهيمنة الإيرانية في المنطقة.

من جانبه أصرّ الرئيس المخلوع «صالح» على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال فترة مدتها 90 يوماً، تديرها حكومة ائتلافية تضم جميع الأطراف. كما طالب بعودة رئيس الوزراء المُقال خالد بحاح على رأس حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو أمر يتعارض مع وجهة نظر الرئيس هادي. كما اعتبر «صالح» في حديثه لتلفزيون «روسيا اليوم»، أن «السلام الشامل والكامل في اليمن لن يتحقق إلا بمفاوضات مباشرة مع السعودية»، وطالب الحوثيين بالذهاب إلى الرياض «لإذابة الجليد»!
لكن محاثات السلام لا يمكن أن تنجح دون وقف العمليات الإرهابية والمجازر التي ترتكبها ميلشيات الحوثي وقوات «صالح» المتحالفة معها، كما أن لعبة الألفاظ والمقاربات وإضاعة الوقت التي يمارسها الحوثيون و«صالح».. لن تساهم في إنجاح الحوار الذي لا يمكن أن يتقدم خطوة إلى الأمام في ظل تجاهل القرار الأممي 2216، وبنوده الخمسة التي تقضي بانسحاب المليشيات من كل المدن، وتسليم السلاح، واستعادة مؤسسات الدولة، وإطلاق سراح المعتقلين.

الواقع في اليمن يُنذر بالتصعيد، نظراً للعمليات الوحشية التي تشنها عصابات الحوثي وقوات «صالح»، بينما يعلن المتحدث الرسمي باسم الحوثي أنهم حريصون على إنجاح المشاورات الحالية في الكويت، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام!

وفي هذا الوقت يخرج المبعوث الأممي لليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ليُعلن وجود مؤشرات إيجابية لتفاهم سياسي بين الأطراف اليمنية، قائلاً إن الوفدين قدّما ورقتين تضمنتا الالتزام الكامل بالقرار الأممي 2216، لكنه استدرك قائلاً: «رغم الهدوء النسبي في بعض المناطق اليمنية، هناك خروقات مروعة في مناطق أخرى»!

وبالفعل فإن «تعز» ما زالت محاصرة، والمليشيات الانقلابية تواصل خروقات الهدنة، كما تتواصل عمليات هدم المنازل والاعتداءات على المديريات. ويجري كذلك حصار مدينة «بيحان» في محافظة شبوة، حيث تم حرمان أهل المدينة من ضروريات الحياة اليومية، كالكهرباء والمحروقات والدواء والطعام.

كل تلك الممارسات لا تعطي إمكانية للتفاؤل بقرب انتهاء الأزمة التي تعصف باليمن، لذلك فـ«حوار الطرشان» قد يستمر في الكويت، ولربما ينتقل إلى عاصمة أخرى، لأن الحوثي وصالح يريدان إطالة أمد الأزمة، لمزيد من تدمير اليمن وقتل أبنائه وتخريب ما تبقى من بنيته التحتية.

لقد غابت الحكمة عن أهل اليمن، ولم يعد بإمكان بعضهم أن يدركوا أن خلق بؤر للتوتر في المنطقة، والتحالف مع جهات أجنبية.. لن يفيد بلادهم بشيء، بل جر ويجر عليها خسائر جسيمة كما جرها ويجرها على جيران اليمن الذين ما انفكوا يساعدونه للتعافي من أسقامه.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)