الأرشيف

المتوكل..عرّاب الهاشمية السياسية

الأرشيف
الاربعاء ، ١٨ مايو ٢٠١٦ الساعة ٠٥:٠٢ مساءً

د. رياض الغيلي


 

اختفى اللواء المتوكل عن المشهد السياسي طوال الفترة من 1975-1980 ولكنه عمل خلال هذه الفترة إلى جانب الأستاذ أحمد محمد الشامي على تكوين شبكة علاقات داخلية وخارجية واسعة للبيت الهاشمي الهادوي، فيما يشبه فترة التقاط الأنفاس بعد الضربة الموجعة (غير المباشرة) التي تلقاها التنظيم السري للهاشمية السياسية إثر حركة الحمدي التصحيحية، وهي استراتيجية يجيد التنظيم استخدامها بحرفية عالية، وخلال هذه الفترة تمكن اللواء المتوكل من عقد لقاءات بعدد من رموز الهاشمية السياسية المتواجدة خارج البلاد مثل الإمام محمد البدر بن أحمد حميد الدين آخر أئمة اليمن والأمير محمد بن الحسين بن يحيى حميد الدين قائد حصار السبعين يوما والمفكر إبراهيم بن علي الوزير مؤسس اتحاد القوى الشعبية وعددا آخر من الرموز التي أسهمت إسهاما كبيرا في دعم وتمويل التنظيم السري للهاشمية السياسية باليمن.

 

بعد استقرار الأمر لعلي عبد الله صالح في الجمهورية العربية اليمنية بدأت مرحلة جديدة للتقارب بين النظام والبيت الهاشمي ولكنه ظل تقارباً محدوداً و(حذراً) نتيجة للتقارب الكبير وقتها بين نظام (صالح) والإخوان المسلمين باليمن الذين ساندوا صالح في حروب المناطق الوسطى وتثبيت حكمه وتأسيس المؤتمر الشعبي العام وصياغة الميثاق الوطني .

 

كان من ثمار التقارب (الحذر) بين نظام صالح والبيت الهاشمي حصولهم على بعض المناصب في الدولة وكان اللواء المتوكل واحداً من الفائزين بهذه المناصب حيث عين عام 1981م سفيرا بالولايات المتحدة الأمريكية التي تعد (ثاني أهم سفارة يمنية وقتها بعد السفارة بالسعودية)، ثم سفيراً في فرنسا عام 1982-1984م، استطاع المتوكل خلال هذه الولايتين الدبلوماسيتين الهامتين تعزيز قدراته السياسية وتوسيع علاقاته الخارجية التي استثمرها لاحقا في خدمة التنظيم السري للهاشمية السياسية.

 

بعد قضائه فترة ثلاث سنوات كمحافظ لمحافظ إب في الفترة (1985-1988) عين المتوكل مديرا لمعهد الميثاق في عام 1988م والذي مثل عام الاختراق للمؤتمر الشعبي العام من قبل البيت الهاشمي السلالي، ومنذ الوهلة الأولى لتعيينه سعى المتوكل إلى إقصاء عناصر الإخوان (حتى الهاشميين منهم) من معهد الميثاق واستبدالهم بعناصر هاشمية سلالية تدين بالولاء لنظرية (الحق الإلهي)، أصبح اللواء المتوكل أكثر قربا من (صالح) الذي أوكل إليه عام 1990م رئاسة أهم دوائر المؤتمر الشعبي العام وهي الدائرة السياسية التي ظل رئيسا لها حتى عام 1993م وهو العام الذي عاد فيه وزيراً للداخلية التي لبث فيها عامين فقط شكلا العصر الذهبي للتنظيم السري للهاشمية السياسية، حيث استطاع المتوكل استغلال هذه الفترة الحرجة التي شهدت حرب (الانفصال) وأعاد جميع الضباط الذين ابعدوا في الفترات السابقة إلى مناصب قيادية أهم في الداخلية والأمن.

 

في عام 1995م أصبح اللواء المتوكل أمينا عاماً مساعداً للمؤتمر الشعبي العام إلى جانب تعيينه مستشاراً خاصا لرئيس الجمهورية فأصبح الذراع الأيمن لصالح في المؤتمر ومستشاره المؤتمن، ومنذ هذه اللحظة أصبح المتوكل هو اللاعب الرئيس في المؤتمر ومهندس تحالفاته الجديدة.

 

ركز المتوكل في هذه الفترة على تعزيز الوجود الهاشمي السلالي في المؤتمر واجتثاث ما تبقى من رموز الإخوان بالمؤتمر الشعبي العام فاستطاع في الدورة الثانية للمؤتمر العام الخامس للحزب 1997م الإطاحة بكل من عبدالسلام العنسي وأحمد الأصبحي (آخر رجالات الإخوان بالمؤتمر) من قيادة المؤتمر وأصبح بعدها اللواء المتوكل هو العقل المدبر للمؤتمر.

 

استطاع المتوكل الزج ببعض الرموز الشيعية للترشح باسم المؤتمر للانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 1997م مثل حسين بدر الدين الحوثي زعيم التمرد الحوثي لاحقاً وعبدالكريم جدبان وغيرهما من الرموز الشيعية، بعد فوز المؤتمر بالأغلبية المطلقة (التي هندسها المتوكل) وتحجيم مقاعد التجمع اليمني للإصلاح بالبرلمان استطاع المتوكل إقناع صالح بفك تحالفه الاستراتيجي مع الإخوان وأصبح البديل الاستراتيجي هو (الهاشمية السياسية) وتوج هذا التحالف لاحقاً بمصاهرة (صالح) عام 2002م .

 

استطاع المتوكل اقناع (صالح) بدعم ما يسمى بتنظيم الشباب المؤمن الذي أصبحت قيادته خالصة لحسين بدر الدين الحوثي بعد استبعاد مؤسسه (محمد عزان) وكان عدد أعضائه حينها (خمسة عشر ألف شاب)، كان المتوكل يهدف إلى تكوين ذراع عسكري للتنظيم السري للهاشمية السياسية من خلال دعم الشباب المؤمن لكن الحوثي استطاع الاستيلاء على التنظيم العسكري خاصة بعد مقتل المتوكل عام 2003م.

 

بعد تنامي دور المتوكل سياسيا واجتماعيا وتهميش حلفاء صالح الاستراتيجيين أصبح (صالح) يستشعر خطورة المتوكل خاصة بعد تحذير الأخير لصالح من خطورة المضي في مشروع التوريث، واكتشافه وجود تنظيم سري للهاشمية السياسية يشكل خطراً على مستقبله السياسي ومستقبل أسرته وأبنائه، فدبر (صالح) عملية اغتيال المتوكل عبر جهاز الأمن القومي الذي أنشئ حديثا وكانت هذه أول عملية اغتيال ينفذها الأمن القومي الذي كان يديره عملياً ابن أخي (صالح) عمار محمد صالح.

 

بينما كان اللواء المتوكل يقود المؤتمر لخوض الانتخابات التشريعية عام 2003 وبينما كان اللواء يحيى المتوكل في طريقه من عدن الى محافظة لحج لترؤس اجتماع حزبي لأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في المحافظة الذي كان مقررا في التاسعة من صباح يوم اغتياله 14 يناير 2003م قضى المتوكل نحبه إثر انقلاب سيارته.

 

بعد وصول خبر وفاته استطاع التنظيم السري للهاشمية السياسية من خلال العلامة محمد المنصور (والد زوجة اللواء المتوكل) من جميع ملفات التنظيم التي كان يحتفظ بها المتوكل في منزله، كان صالح يخطط للاستيلاء على وثائق التنظيم التي بحوزة المتوكل فتوجه ومعه عناصره الأمنية لمنزل المتوكل ودخل مكتبه الخاص للتفتيش زاعما أنه يبحث عن وثائق المؤتمر لكنه عاد خالي الوفاض.

 

شكل فقدان اللواء المتوكل صدمة كبيرة للتنظيم السري للهاشمية السياسية الذي كان قريبا من تحقيق هدفه بالعودة إلى الحكم تحت مظلة الجمهورية، فدخل الحزن كل بيت هاشمي سلالي على اللواء المتوكل وخسر التنظيم الذراع السياسي الأقوى برحيل المتوكل ، ولا زالت أصابع الاتهام تشير إلى الرئيس السابق حتى اليوم .

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)