الأرشيف

?مخرجات لحلحلة الأزمة اليمنية

الأرشيف
السبت ، ١١ يونيو ٢٠١٦ الساعة ٠١:٠٥ مساءً

العربي بجيجة


كأي صراع حتمي اتخذ سبيل المواجهة العسكرية بديلا للحلول السلمية، لابد من أن يخلف واقعا مأساويا على أرض الميدان، كما من شأنه إحداث تعقيد بنيوي يصعب بلوغ مخرجات للأزمة السياسية، التي تعصف بين الأطراف المتجاذبة إيديولوجيا وعقائديا. 
وهذا هو حال الأزمة اليمنية، التي اتخذت خلال سنة 2011 طابع الاحتجاجات السلمية للمطالبة بمزيد من الإصلاحات السياسية، لم تمر عليها شهور ليست بالقليلة حتى فتح المجال للمواجهة العسكرية، بإيعاز وتدخل مباشر من بعض القوى العربية والإسلامية، وبدعم ومساندة بعض القوى الغربية، أرجعت اليمن السعيد إلى عقود من التخلف والانحطاط، والعيش في براثن الخوف والجوع والظلام الدامس، لتصبح بؤرة توتر رئيسة في المنطقة الشرق أوسطية تنضاف لمثيلاتها هناك من العراق إلى سوريا.
تخضع أطراف الأزمة اليمنية الداخلية منها والخارجية، على حد سواء، لحسابات مختلفة على مستوى تدبير مرحلة الصراع السلمي، وما تلاها من مواجهة عسكرية مفتوحة، تختلف بتغير موازين القوى على الصعيدين السياسي والعسكري، يبقى شعب اليمن السعيد متذبذبا بين هاته المتغيرات، في ما يخدم مستقبله في العيش بأمن وسلام، سواء بمخرجات المفاوضات التي يقودها الجناح السياسي للأطراف الداخلية، أو بنتائج المواجهة لأجل السيطرة على حدود البلد ومواقعه المهمة، الذي يتبناه الجناح العسكري للأطراف المتحكمة من خارج البلاد.
وإن كان الانخراط في فتيل المعارك الميدانية لم يعط أكله لبعض الأطراف، كما كانت تضع في حسبانها قبل غوصها في مستنقع الدماء والرماد، أصبحت حاليا تراجع حساباتها التكتيكية بالسعي إلى ركب غمار المقارعة السياسية، لكسب ما لم تحصل عليه عبر هدير المدفعيات وقصف الطائرات، فأعملت ذلك في مرحلتين، مرحلة أولى تولاها المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن السيد جمال بنعمر في الفترة الفاصلة بين أبريل 2011 وأبريل 2015، حيث قاد العديد من المساعي الحميدة والمبادرات الوجيهة، للملمة الأطراف على طاولة المفـــــاوضات قصد تحقيق توافق ســـياسي، وللحيلولة دون اتساع رقعة المواجهة العسكرية والتصدي لمظاهرها الكارثية على البلاد، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها طوال أربع سنوات من النقاشات السياسية العميقة، إلا أنها لم تبلغ مستوى يمكنها من الحد من مظاهر الحصار وامتداد المواجهة العسكري بين الأطراف، وبالتالي لم يحرز أي تقدم يذكر وهو ما حدا به لتقديم استقالته من المهمة التي كلف بها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.
بعد تقديم استقالته،، عمد الأمين العام للأمم المتحدة إلى تعويض جمال بنعمر بزميله الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ بتاريخ 25 أبريل 2015، دخل اليمن في عد الزمن السياسي للمرحلة الثانية بكل تفاصليها، لما تلعبه الثانية قبل الدقيقة في حسابات السياسي أكثر من العسكري، فحاول مسايرة نهج سلفه في المهمة، لأجل استكمال صرح التوافق بين الأطراف، بما يتيح استمرار المساعي الحثيثة في جمعهم حول طاولة مفاوضات واحدة، وما يخدم خلق مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية، تمهيدا لطي هذا الملف وفق مقاربة تستمد شرعيتها من الحوار والتشاور، فأثمرت مجهوداته بعقد «جولة الكويت» من المفاوضات خارج بلد اليمن السعيد.
وإن كانت «جولة الكويت» في بدايتها عرفت تعثرات صاحبتها منذ مرحلة التحضير لعقدها، من خلال رفض أحد الأطراف المشاركة في هذه الجولة إلى حين التزام المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، بتوفير ضمانات أساسية من شأنها تحقيق الشروط اللازمة لانخراط في مفاوضات جدية، وهو الشيء نفسه الذي عاشته مفاوضات الكويت خلال المراحل الأولى لبدايتها، من خلال تهديد أحد الأطراف بالانسحاب من المفاوضات، التي قطعت، حسب وجهة نظر المبعوث الأممي، شوطا أولا في التمهيد لخلق توافق على المرتكزات التي تؤسس لبداية الانصهار في العملية السياسية، والتخلي التدريجي عن المواجهة العسكرية، سرعان ما دحضتها الوقائع الميدانية، من خلال تصريحات العديد من المشاركين في العملية التفاوضية، التي اعتبرتها مجرد تكتيك لإفشال المفاوضات من أساسها، والسعي إلى جعل الأرضية المقترحة شماعة لتعليق فشل غياب الإرادة الحقيقية لتفاوض جدي ومسؤول.
ولو أن البعض يتخذ من «شرعية الحق» المدعومة من الخارج دعامة للبقاء على سدة الحكم، يستمد منها شرعية الحق على حكم شعب اليمن، يربطها البعض الآخر «بشرعية السيطرة» والنفوذ الترابي على المناطق والأقاليم الرازحة تحت ولاية المليشيات المسلحة، جاعلا منها عاملا لفرض «حق الشرعية» والولاية على ساكنتها. فإن الأجواء ستبقى على هذا المنوال في غياب التوصل إلى حل ينهي هذا الصراع المعقد بتركيبته الداخلية وحسابات أطرافه الخارجية.
تبقى من بين أهم المدخلات لبلوغ تسوية سياسية حقيقية تنهي حالة النزيف الذي يعيشه اليوم اليمن السعيد، استحضار النقاط التالية، تعيين نائب للرئيس اليمني من الجنوب/ اعتماد التوازن في المناصب بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة بما يضمن تمثيل كافة الأطراف السياسية/ تبني معيار التوازن السياسي، العقائدي والإيديولوجي، في توزيع الحقائب الوزارية والقيام بالمسؤوليات الحكومية/ الانخراط في مقاربة التدبير المشترك لإقليم الجنوب خلال مرحلة انتقالية محددة الزمن، تمهيدا للانتقال إلى مرحلة التدبير الحر بما يتوافق مع إرادة ساكنتها. وإن كانت هاته الخيارات تتوافق في مقصدها، فإنها على مستوى الأجرأة تشكل صمام أمان من شأنه رهن الخلافات السياسية وإزاحتها جانبا، ومن ثم تقديم نقاط الإجماع كعامل حاسم في البحث عن مخرجات التوافق والالتقـــــائية بين أبناء الوطن الواحد، بما يضمن لهم العيش في أمن ورخاء وبعث الأمل للشعوب التي لا زالت تبحث عن مخرجات لقضاياها العادلة والمشروعة، بعيدا عن مخططات الفوضويين وحسابات المتآمرين، التي خربت العــــــراق وبعده ليبيا ومن ثم سوريا، فنسفت بذلك حضارتهم ودمرت بنياتهم وهجرت شعوبــــهم، والقائمة ســـتطول إن لم تراجع الحسابات وتستدرك المخاطر التي تهددنا، من الحليف والموجه على حد سواء قبل الغرق في بركة الدماء التي نحفرها بغياب وعينا المهوس بحب السلطة والنفوذ.

? باحث مغربي عن القدس العربي

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)