الأرشيف

رسالة اليمن من "المعاشيق"

الأرشيف
الثلاثاء ، ٠٥ يوليو ٢٠١٦ الساعة ٠٦:٠٦ مساءً

فهد الطياش


لم يعد هناك مساحة من القبول لدى حكومة اليمن الشرعية لأساليب التفاوض والتلاعب من قبل الحوثيين وبقايا أتباع المخلوع. فما كان مقبولاً بالأمس من باب الأدب والدبلوماسية لم يعد موجوداً على طاولة التفاوض اليوم. فاستراتيجية المبعوث الأممي السابق لليمن جمال بن عمر قد انكشفت ولن تستمر في تمكين الحوثي الانقلابي من مؤسسات الشرعية في اليمن. فهو مبعوث حضر ثم رحل غير مأسوف عليه بالنسبة لليمن وللمنطقة. ولكن كعادتنا العربية نرضى برحيل الشخوص ونغض الطرف عن بقاء جذور فتنتهم وأوهامهم. فلم يحقق ذلك المبعوث الأممي أي تقدم يكفل لليمن العودة إلى طاولة حوار حقيقي وينطلق من الشرعية الدستورية وليس من زاوية من استقوى بالسلاح الانقلابي على الشعب اليمني. وبالتالي لم يبقَ في ذاكرة الإعلام من تلك الفترة إلا تلك الصور المكوكية في شريط الأخبار: وصل بن عمر أو غادر بن عمر.

 

وبعد كل هذا الهدر الزمني والبشري والزيف المغلف بالممارسات الدبلوماسية أتى إلينا مبعوث أممي آخر ومن المغرب العربي هو إسماعيل ولد الشيخ، وأتت هذه الشخصية القادمة من موريتانيا لتبيع ذات الوهم الأممي لتمكين الانقلابيين وفلول المخلوع صالح من اليمن وتقويض الشرعية. وفي كل مرة يطيل الحوار ويبيع الوهم باسم "خارطة طريق جديدة" لم تعد تجدي. فقوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة قد وضعت خارطة طريق أوضح "اسمها الحزم في إعادة الشرعية لليمن الشقيق". وكل ما جاوز تلك المهمة لا مكان له على طاولة الحوار أو القتال. وجاءت رسالة رئيس الحكومة اليمنية أحمد بن دغر عندما التقى بقيادات أمنية وعسكرية في قصر "المعاشيق" في عدن وفي مناسبة ذكرى تحريرها من مليشيات الحوثي لتؤكد هذا التوجه. وفحوى الرسالة "لن نسمح بوجود حزب الله ثان في اليمن، وعلى إيران الكف عن التدخل في شؤون اليمن".

 

فالتحرير في نظره بدأ من عدن وسينتهي في معقل الحوثيين مران بمحافظة صعدة. عندها ستتحول بوصلة اليمن من التحرير إلى التنمية. والأمر بالنسبة للتحالف العربي وللمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي ليس عودة الشرعية فقط وإنما تحقيق الأمن العربي وتقويض التدخل الصفوي الفارسي الذي كشف عن وجهه القبيح في العراق وسورية ولبنان. وهنا في اليمن سيكون محاولة إيرانية لسبر تهاون العرب، وبذلك الخطر ستكون المنطقة موعودة برؤوس فتنة تطل علينا برؤية الولي الفقية الفارسي الذي باع الوهم على شرذمة من المنتفعين حتى في عمق قضايانا العربية. لعل توقف مباحثات الكويت بشأن اليمن لعيد الفطر تكون سانحة لخلق مسار آخر او حتى مسارات أخرى، تتوازى مع مسار الحرب وخيارات نزع سلاح الانقلابيين. وهي مسارات تقطع الطريق للاستمرار في مسرحية ممجوجة سئمنا منها ومن صاحبها بن عمر. فولد الشيخ لم يخرج بعد من جلباب أو عباءة صاحبه، ونحن لا يعنينا خرج منها أو بقي قابعاً فيها. وما يعنينا هو استشراف استقامة او اعوجاج تحولاتها. فالمسار منذ أن بدأ وهو أعوج وعلينا تقويمه أو رسمه على صفحة جديدة تحقق مصالح العرب حتى فوق نعيق الحناجر المأجورة.

 

فأمن اليمن وعودة شرعيته خط أحمر بالنسبة لأمن الجزيرة العربية بكاملها ولن يغرينا الوهم في جعبة الحاوي الجديد. فهي مواقف تتكرر ونماذج سوء على أرض العرب تريد أن تتوالد. ومن أجل نجاح الرهان القادم للأمل في اليمن لابد من تحول وميلاد وسائل إعلام تحمل الخطاب الوحدوي اليمني ليعزز قيمة الشرعية وعودة مؤسساتها، وينطلق من عواصم العالم الهامة بما فيها الرياض وأبوظبي. أقول إنه رهان إعلامي لأن التناحر الإعلامي بات سمة من سمات المشهد اليمني، ولذا لا بد من تهيئة أرضية جديدة للحوار والتسامح وتغليب أصوات الحكمة وإنتاج الوعي داخل اليمن قبل البحث عنها في أوهام أممية وخارج حدود اليمن. فخروج جنود كسرى الفرس تاريخياً من اليمن لن يتكرر في عباءة ولي فقيه أو تحت ستار أممي. يقول الشاعر والدبلومسي اليمني الراحل أحمد الشامي: دقات ساعات الحياة تدق في كل الأمم إلا بلادي ليس فيها غير همهمة العدم وكل عام وبلادنا وأمتنا بخير وأمن وسلام.

شريط الأخبار