يعمل الحوثيون في اليمن على السيطرة على كافة المؤسسات الإعلامية وإخضاع الصحفيين والإعلاميين إلى توجيهاتهم ومنعهم من أي انتقاد يطال أعمالهم وانتهاكاتهم في البلاد.
تعتبر السيطرة على وسائل الإعلام، الخطوة المكمّلة للهيمنة السياسية على أي دولة، وهو ما يدركه الحوثيون الذين يشنون حملة واسعة لإسكات الأصوات الإعلامية المنتقدة وإخضاعها إلى سلطتهم، بشتى الطرق الممكنة ولاتهم الوسيلة التي يتخذونها في سبيل هذا الهدف.
وبعد سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبها الحوثيون ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في اليمن، دعا الاتحاد الدولي للصحفيين، عبدالملك الحوثي، زعيم حركة أنصار الله، إلى وقف التحريض ضد وسائل الإعلام اليمنية وسحب مجاميعه من المؤسسات الإعلامية التي احتلها الحوثيون.
وكان الاعتداء الأخير وقع يوم، الثلاثاء الماضي، عندما قامت مجموعة من أنصار الحوثي، وبدعم من ميليشيا مسلحة، على صحيفة “الثورة”، أكبر الصحف المملوكة للدولة في اليمن.
وقال جيم بوملحة، رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين: “ندعو الحوثي إلى إنهاء احتلاله للمؤسسات الإعلامية ووقف تهديده للصحفيين الذين ينتقدون حركته”. مضيفا أن “المسار الذي يتبعه الحوثي خطير، وأننا نحمله مسؤولية سلامة الصحفيين العاملين في صحيفة “الثورة” وأوضاعهم و ظروفهم المعيشية”.
ويأتي احتلال صحيفة “الثورة” بعد احتلال مجموعة مسلحة من حركة أنصار الله في سبتمبر الماضي مقر تلفزيون اليمن، المحطة اليمنية الرسمية. ومنذ ذلك الحين، حصلت عدة اعتداءات موثقة من قبل مسلحين ينتمون إلى الحوثيين ضد وسائل الإعلام الخاصة، بالإضافة إلى تهديد عدد من الصحفيين وترهيبهم.
وكان عبدالملك الحوثي قد هاجم يوم، الأحد الماضي، وسائل الإعلام والصحفيين في خطاب ألقاه أمام زعماء القبائل، قائلا: “كثير من وسائل الإعلام وكثير من الإعلاميين يتحركون في الاتجاه المضاد لشعبنا اليمني العظيم وثورته المباركة بوضوح وبأساليب كثيرة… ويسلطون كل إعلامهم بعداء نحو اللجان الشعبية بالرغم مما تحققه من إنجازات..”، مضيفا، “يعملون على إثارة ضجيج حول قضايا ثانوية.. بدلا من أن يصب في الاتجاه الداعم للبناء ضجيج يعتمد على الشتائم والسباب والأكاذيب بغية تشويه الثورة".
ووفقا لفرع نقابة الصحفيين اليمنيين في صحيفة “الثورة”، دخل عدد من أعضاء اللجان الشعبية برفقة مسلحين إلى المبنى بعد ظهر يوم الثلاثاء 16 ديسمبر مطالبين بالاجتماع مع المحررين لمناقشة الخط التحريري للصحيفة، ولكن الصحفيين رفضوا التحدث معهم.
وأضاف بوملحة، “ندين أعمال هؤلاء المجاميع وندعم الصحفيين الذين رفضوا الرضوخ لأوامر الميليشيات التي أرادت التحكم بمحتويات الصحيفة”.
ولم تتمكن وزيرة الإعلام نادية السقاف، ونائب رئيس تحرير الصحيفة وأمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين مروان دماج، بعد ساعات من المفاوضات من إقناع المجموعة بمغادرة مبنى الصحيفة. وأصر المقتحمون على الإشراف على الخط التحريري للصحيفة. لذلك طلبت وزيرة الإعلام ونائب رئيس التحرير من الموظفين إغلاق مكاتبهم ومغادرة المبنى.
فجاء جواب جماعة الحوثي بالاستعانة بصحفيين من غير هيئة التحرير ليس لهم أي تخويل قانوني ونشروا الصحيفة تحت إشرافهم، والتي تضمنت مقالا بعنوان: “موظفو صحيفة الثورة ينفون اقتحام مؤسستهم، سوء فهم أدى لإشاعة خبر الاقتحام”.
وقالت وزيرة الإعلام إن الحوثيين يصرون على التحكم في السياسة التحريرية للإعلام الحكومي، بالرغم من الاتفاق على مكافحة الفساد المالي والإداري بالوزارة ومـؤسساتها.
وأضافت في تغريدات لها على موقع التوصل الاجتماعي “تويتر”، أن الوزارة تتبع مبدأ “تنفيذ الممكن مع التأسيس للأمثل”، في إشارة إلى تعامل الوزارة بمرونة مع التطورات الأمنية والسياسية في البلد، وأن الوضع أصبح مقلقا جدا، حسب تعبيرها.
ويشهد الإعلام الرسمي تغيرا في سياساته التحريرية بعد دخول جماعة الحوثي صنعاء وسيطرتهم على مؤسسات الإعلام الرسمية وإجراء تغييرات إدارية، وتعيين محسوبين على الجماعة في مناصب حساسة داخلها.
ويدرك الحوثي أن الاستقواء العسكري والسياسي يجب أن يكون مرفقا بالسيطرة على وسائل الإعلام لاستكمال مخطط الهيمنة على مفاصل الدولة في اليمن.
وكان التلفزيون الرسمي الحكومي على رأس الأهداف التي تعرضت للاقتحام من قبل الحوثيين ما أجبره على التوقف لأيام قليلة قبل أن يعاود البث مجددا. بالإضافة إلى قناتي “سبأ” و“الإيمان” الحكوميتين.
ويرى مراقبون أن الحوثيين يريدون لجم الأصوات التي تظهر أعمالهم الوحشية إلى العلن للتنديد بها، وأن الحرب الإعلامية تعد جزءا من الصراع السياسي على السلطة في اليمن، لما يمثله الدور الإعلامي من تأثير واضح على سياق ومجرى الاستقطاب السياسي.
ومنذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، لوحظ مغادرة العديد من الصحفيين والمحللين السياسيين للعاصمة، وبدأوا يقدمون مشاركاتهم وكتاباتهم من مدن يمنية بعيدة عن صنعاء مثل تعز وإب وعدن، وسط وجنوب اليمن، حيث لا تواجد لمسلحي الحوثيين هناك.
وعمد مسلحون حوثيون إلى اقتحام منازل العديد من الصحفيين اليمنيين، بينهم المدير السابق للتلفزيون اليمني بالعاصمة صنعاء عبدالغني الشميري، ورئيس مؤسسة الشموع للصحافة والإعلام سيف الحاضري، بعد سلسلة من عمليات التفتيش والمداهمة.
وأدانت منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات المهتمة بحرية الصحافة والإعلام، “التهديدات والمضايقات التي يتعرض لها عدد من العاملين في الوسط الصحفي اليمني”، معتبرة تلك الأعمال تصرفات “غير مسؤولة”، وتهديدا خطيرا لمستقبل الحريات في البلد.
وكانت نقابة الصحفيين اليمنيين اتهمت في بيان جماعة الحوثي بتهديد سلامة الصحفيين ضمن “توجه مقصود يهدف إلى خلق بيئة غير آمنة للعمل الصحفي”.