الرئيسية > محافظات > المتقاعدون في عدن.. رحلة شقاء دائمة

المتقاعدون في عدن.. رحلة شقاء دائمة

ما إن ينتهي الشهر حتى تبدأ رحلة عنوانها الشقاء، أبطالها رجال ونساء في سن الشيخوخة، يقفون أياماً تحت أشعة الشمس الحارقة في طوابير طويلة، أمام مكاتب البريد في مدينة عدن وباقي المحافظات اليمنية المحررة، سعياً لما يكاد يسد به رمق جوعهم وأولادهم، من معاش تقاعدي يصلهم بعد جهد جهيد، وأشهر من المعاناة والأنين.
«ارحمونا، اتقوا الله فينا، راعوا سنوات جهدنا وخدمتنا للوطن»، بهذه الكلمات استهلت فاطمة ثابت الحروري، «متقاعدة»، إدارة التربية والتعليم بمحافظة عدن، كلماتها في حديثها مع «الخليج»، وتقول بنبرة حزن طاغية: «ارحمونا وارحموا كبر سننا، فما يحصل لنا من امتهان وألم وتعب وعذاب، أمام مكاتب البريد، وتأخر الرواتب، لا يليق البتة بسنوات الجهد والعطاء التي قضيناها في خدمة الوطن»، ثم تتساءل بامتعاض: «أهكذا يكون الجزاء؟ أبهذه الطريقة يتم تكريمنا لخدمة الوطن؟».
وتضيف الحروري: 12 يوماً وأنا أتردد على بريد مدينة كريتر، وأقضي جلّ ساعات النهار، وسط حرارة صيف مرتفعة جداً، وتستطرد: «أعاني أمراضاً شتى، وتعتمد أسرتي المكونة من 7 أفراد على ما أتقاضاه من معاش تقاعدي، وعدم تسلّمه في وقته المحدد، يعني المزيد من المعاناة والألم، ومعها تبدأ رحلة البحث عن الدواء والغذاء». 

 

هذه المعاناة ليست وليدة اليوم، وإنما بدأت قبل أكثر من عام، لتزداد معها المعاناة، وتزيد من رصيد معاناة المواطنين وأوجاعهم، فتارة بسبب تأخر الميزانية، وتارة أخرى بسبب إغلاق مكاتب البريد. 
يقول الحاج إسماعيل مصطفى التوي، عسكري سابق: «لا أتذكر أبداً طوال سنوات عمري التي تصل إلى ال «70» عاماً، أن تعرضت للتعب والامتهان عند تسلمي معاشي الشهري، كالذي يحصل معنا في هذه الأيام، ويضيف، نقعد طوال ساعات النهار، في الشارع وتحت حرارة الشمس اللاهبة، ثم يقال لنا بكل بساطة: «انتهى الدوام»، تعالوا غداً، وفي اليوم التالي نُفاجأ بعد مرور عدد من الساعات، أن السيولة المالية لم تصل، عودوا في اليوم التالي، وهكذا.
على مقربة من التوي، كان يجلس رجل مسن، وقد أخذ التعب منه مأخذه، اقتربت منه فإذا به مصاب بالشلل، وبمشقة ينطق ببعض الكلمات، وما خلصت إليه من حديثه المؤلم، أن اسمه رجب، ويعيش مع زوجته المقعدة، ومعاشه التقاعدي الذي لا يتجاوز 100$، كان يحدثني والعرق يتصبب منه بشدة، أحسست وأنا أقف أمامه، «أن مستعمرات من الحزن قد اجتاحت جسد هذا الرجل النحيل»، خاطبني بكلمات متحشرجة: «أنا جوعان، من يعطيني ما اشتري به طعاماً لي ولزوجتي المقعدة، من يعطيني؟».
لم تتوقف معاناة المتقاعدين في عدن، والمحافظات القريبة منها، عند الساعات الطويلة والانتظار وبشكل يومي أمام مكاتب البريد الموصدة في الأغلب، إلا أن المعاناة تتسع، والمأساة تكبر، حين نعلم أن البنك المركزي بصنعاء، الذي تصل منه المعاشات الشهرية لا يزال تحت وطأة الميليشيات الانقلابية.