الرئيسية > عيون الصحافة > اليمن الحوثي.. عزف إيراني على وترٍ سعودي حساس

اليمن الحوثي.. عزف إيراني على وترٍ سعودي حساس

اليمن الحوثي.. عزف إيراني على وترٍ سعودي حساس

"اليمن بيتكلم حوثي"، هذا ما تشي به الأحداث المتسارعة، بعد "سقوط" دار الرئاسة والرئيس وحكومته في ظرف ساعات، وسط محيط خليجي "يتفرج".

 

في بلد ينبض فوق ترابه 26 مليون قلبٍ، و"ملغوم" بـ50 مليون قطعة سلاح، تنجح فئة أقلية مسلحة، في فرض نفسها كأبرز قوة عسكرية على الأرض. الحديث هنا عن مليشيات الحوثيين التي باتت تسيطر على معظم محافظات شمالي اليمن ما عدا تعز ومأرب، وإن لم تكن سيطرتها كلية على البيضاء التي تواجه فيها حرب استنزاف ضد تحالف من رجال القبائل وتنظيم أنصار الشريعة.

 

اليوم، استقال عبد ربه منصور هادي، رئيس اليمن "السابق"، بعد دقائق من استقالة حكومته، مفسحاً المجال نحو مزيد من ضعف اليمن الدولة، ومزيد، مقابلٍ، من قوة الحوثيين المليشيا.

 

ويرى مراقبون أن التطورات اليمنية لن تنتهي عند هذا الحد، بل إن الأحداث بدأت من الآن، خصوصاً بعد أن ارتفعت نبرة عبد الملك الحوثي زعيم جماعة "أنصار الله"، الاسم الذي تطلقه المليشيات على نفسها، لدرجة باتت تصريحاته تعكس أنه رجل اليمن الأول، وصاحب القوة التي لا تنازع.

 

أنظار "الجمهور" تتجه إلى "مأرب" المحافظة المرشحة لأن تكون حلبة قتال جديدة بين اليمن والمليشيا، وهي المعركة التي تسجل فيها المليشيا تقدماً يومياً على جسم اليمن الضعيف والمتخم بالأمراض.

 

ويضع الكثير من اليمنيين أيديهم فوق قلوبهم، خوفاً من لحوق "مأرب" بأخواتها من الجوف وصنعاء والمحافظات الأخرى، فمأرب تتمتع بحساسية عالية، إذ إنها خزان المقاتلين في مواجهة الحوثيين، مع أنه يسكنها نحو ربع مليون نسمة من مجموع السكان البالغ نحو 26 مليوناً، وهي مركز إقليم سبأ، وواسطة العقد بين محافظتيه الأخريين: الجوف والبيضاء، إضافة إلى كونها تحتضن مخزوناً كبيراً من نفط البلاد، الذي يخرج منها إلى البحرين: الأحمر والعرب.

 

وفوق كل هذا وذاك، فإن مأرب، ذات المساحة البالغة 17400 كيلومتر مربع، مفتوحة على جنوبي اليمن، ومن شأن سيطرة الحوثيين عليها، إسالة لعابهم نحو "حضرموت" أكبر المحافظات في البلاد، التي تكتنز، أيضاً، في بطنها ثروات اليمن النفطية. وبالسيطرة على مأرب سيكون الحوثيون على تماس أكبر مع تنظيم "أنصار الشريعة" وقبائل الجنوب الطامح إلى "الاستقلال" عن "سطوة" الشمال، و"تهميشه" له.

 

غير أن كل ما يمكن أن يتم الحديث عنه داخلياً، واحتمال تطور القتال في اليمن ليأخذ بعداً "أهلياً" بعد تصاعد الدعوات لحمل السلاح في وجه "المشروع" الحوثي، وكذلك "تفنن" الحوثيين في وضع الشروط والإملاءات، والتحالف بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، الرئيس الأسبق للبلاد، كل ذلك لا يعدو أن يكون مجرد تفاصيل فرعية، لعنوان رئيس بطله الصراع الإقليمي، شبه العلني، بين السعودية وإيران.

 

تقدم مليشيا الحوثيين الشيعية في اليمن، وما رافقه من تصريحات إيرانية "باسمة" تباهي بـ"سقوط" العاصمة الرابعة في القبضة الإيرانية، أي صنعاء اليمنية، بعد دمشق وبغداد وبيروت، وارتفاع حدة تصريحات الأذرع الإيرانية في المنطقة، وتحديداً حزب الله اللبناني، الذي أظهر أمينه العام حسن نصر الله "عنترية" سياسية لا تخطئها عين العميان، كل ذلك يكاد يجعل الصراع بين إيران والسعودية من طرف واحد، وهو الإيراني الذي يكاد يأتي على الأخضر واليابس من مساحة النفوذ السعودي في المنطقة.

 

"ماكينة" إيران الاستراتيجية، لا تهدأ عن العمل، فآخر الأنباء التي كشفها موقع "الخليج أونلاين"، تتحدث عن توجه وفد إيراني عسكري وأمني يضم مستشارين اقتصاديين، من العراق إلى اليمن، ضمن جهود إيرانية لدعم سيطرة الحوثيين على البلاد، وضبط إيقاع المليشيا الشيعية المتمردة بشكل يسمح بمواصلة "نضج" الطبخة، والحيلولة دون "إفسادها".

 

أمام هذه التطورات النوعية، ردت السعودية، من جهتها، بتوسيع منطقة "الحرم" الحدودي من 10 إلى 20 كيلومتراً، وهي منطقة محظورة على البشر والشجر وحتى على الحيوانات، وتقوم بتركيب سياج أمني على حدودها الجنوبية، كما تحث الخطا نحو تطوير أنظمة العمليات والتدريب والبنى التحتية وكذلك تطوير مهارات وقدرات الأفراد.

 

وشدد أكثر من مسؤول أمني رفيع في المملكة أن حدود البلاد "مؤمنة بشكل كامل، ومجهزة بأفضل التقنيات الحديثة".

 

غير أن كل الحركة السعودية افتقدت إلى "البركة"، والبركة هنا هي الفعّالية، إذ إن السلوك السعودي الاستراتيجي لا يمكن أن يخرج عن كونه تراجعاً وانكماشاً حاداً، أمام تقدم إيراني لم يقتصر على الملف اليمني فحسب، بل إنه يكاد يحسم الملف العراقي، بينما يحتفظ بقوة كبيرة في الملف السوري، فضلاً عن إغلاق جيبه على الملف اللبناني.

 

تتطور الأحداث في اليمن، وفي المنطقة عموماً، وفق إيقاع إيراني ينظم "العزف" السياسي في واحدة من أهم بقاع العالم، بينما يكتفي الخليجيون، وعلى رأسهم السعودية، بسماع هذا الإيقاع من غير طرب.

 

* الخليج أونلاين