الرئيسية > مغتربون ولاجئون > شاب يمني غيّر حياة الملايين على مستوى العالم .. تعرف على قصته

شاب يمني غيّر حياة الملايين على مستوى العالم .. تعرف على قصته

«كيف يمكن تحويل المريخ إلى جنة خضراء؟”، “هل السكر مخدر يتسبب بالإدمان؟”، تحولت إجابات الشاب اليمني هاشم الغيلي عن هذه الأسئلة إلى فيديوهات ذائعة الصيت يتناقلها المتابعون حول العالم.

 

فعبر تقديم إجابات وشروحات مبسطة ومشوقة عن هذه الأسئلة العلمية الملهمة والمثيرة للاهتمام، تحول الشاب اليمني هاشم الغيلي، إلى أحد أبرز نجوم تقديم وإيصال المحتوى العلمي المبسط على مواقع التواصل الاجتماعي. وبات الغيلي معروفاً في مختلف أنحاء العالم، ومتابعاً من قبل أكثر من ٣١ مليون شخص على موقع فيسبوك فحسب.  ويتناول هاشم في فيديوهاته مواضيع حياتية هامة عبر رسومات ثلاثية الأبعاد توضيحية، كشأن الإجابة على سؤال: ”ما الذي يحصل عندما يتم تجاهل طفل يبكي؟». هذا السؤال حصلت الإجابة عليه، على ٧٨ مليون مشاهدة على فيسبوك، وشاركه أكثر من مليون شخص. كما نال هاشم متابعة كبيرة كذلك عن مواضيع تداعب مخيلة المهتمين باستكشاف الفضاء كشأن فرص نجاة البشر في ظل المخاطر الشديدة التي ستواجههم حال هبوطهم على كوكب المريخ. ولا يقتصر تواجده على موقع فيسبوك، الذي يقول إن عدد المشاهدات على صفحته بلغ قرابة ١١ ملياراً، فحسب بل يتابعه على إنستغرام ١١٣ ألف شخص، و٢٨٩ ألف شخص على يوتيوب ووصلت عدد مشاهدات قناته على الموقع إلى قرابة ٦١ مليوناً.

 

روى هاشم في خطاب تخرجه في تخصص التكنولوجيا الأحيائية الجزيئية برفقة طلاب الماجستير من جامعة جاكوبس الخاصة في مدينة بريمن الألمانية في عام ٢٠١٥ قصة حياته، قائلاً إنه عندما كان في عمر السادسة، كان يعود من المدرسة باليمن على الساعة الواحدة ظهراً ثم يعمل حتى وقت متأخر من الليل في المزرعة، واصفاً الدراسة والعمل في المزرعة سوية، بأنه كان تحدياً لا يعقل. وقال إن والده كان مصراً على أن يصبح مزارعاً وتعلم أساليب الزراعة منه، لكنه كان يريد مواصلة مسيرته العلمية، فجعل التعليم أولويته، وقرر ملاحقة أحلامه. ولفت إلى أن رحلته نحو تحقيق أحلامه كانت معقدة ومليئة بقائمة طويلة من التحديات، لكنه قرر استكمالها على أية حال لتحقيق ما يريده. وأضاف أن والديه اقتنعا في النهاية بوجوب منحه الحرية الكاملة في الاختيار عندما رأيا إصراره على تحقيق قفزات كبيرة في الحياة، ودعماه بكل ما كان يملكانه على طول الطريق.  ودعا زملاءه الخريجين لعدم التقليل من شأن قدراتهم كأفراد لإحداث فارق، وأثر إيجابي في مجتمعهم، مذكراً بمقولة مفضلة لديه: ”إن كنت تظن أنك أصغر من أن تكون فعالاً، فإن ذلك يعود إلى أنه لم يسبق لك أن كنت في غرفة واحدة مع بعوضة».

 

ولدى سؤال عربي بوست له عما يتم تداوله في مواد صحفية عن اعتراض والده على دراسته، اعتبر هاشم أن بعض ما ورد فيها كان نوعاً من المبالغة. وقال إنه كان هناك اعتراض من قبل والده عندما كان في الثانوية على مسيرته العلمية. إذ كان والده يريده أن ينهي دراسته للثانوية ويعود للعمل في المزرعة، لكنه تخرج بعلامات ممتازة، تؤهله لأخذ منحة، وتوجه دون أن يخبره ليستفسر عن أمر المنحة.

 

وبعد أن رأى والده، الذي كان يرأس تحرير مجلة بارزة تدعى «المستقبل»، إصراره على الدراسة غير وجهة نظره وبدأ يدعمه أكثر. وقال إن لوالده فضلاً كبيراً عليه ومن بين أبرز أسباب نجاحه، موضحاً أن والده صحفي وشاعر ويعرف أهمية العلم. ولكنه أقر بأنه كان هناك اختلاف في وجهات النظر بينهما وحسب، غير أنه لم يكن على النحو الذي نشرته وسائل إعلام.

 

وكان هاشم قد حصل على منحة من وزارة التعليم العالي في اليمن، ودرس التكنولوجيا الحيوية في جامعة بيشاور في باكستان. وبعد أن تخرج في العام ٢٠١٢، عاد للعمل في اليمن في مختبر للأحياء الدقيقة، ثم قرر في العام ٢٠١٣ ترك العمل هناك، والسفر إلى ألمانيا عبر منحة خدمة التبادل الأكاديمي الألمانية “داد”، لكنها كان مشروطة بالحصول على قبول جامعي.

 

وقضى عدة أسابيع بعد وصوله لألمانيا، أرسل خلالها أكثر من ١٠٠ طلب إلى مختلف الجامعات والمؤسسات البحثية في ألمانيا. لكن ٦٠٪ منها قوبلت بالرفض، ولم يحصل على رد على البقية، وكادت فترة قبوله تنتهي. وكان عدم حصوله على قبول سيشكل مشكلة له لأنه كان يعني خسارته للمنحة وعودته لليمن لعدم قدرته على الإنفاق على دراسته بنفسه، بحسب كلمة له في جامعة جاكوبس الألمانية.

 

فأرسل يوماً ما حوالي ٧٠ بريداً إلكترونياً لقائمة من الأكاديميين ومدرسي الجامعة يدعوهم لتمديد الموعد النهائي للقبول، وإلقاء نظرة على وثائقه. فلم يتلق أي رد سوى من البروفيسور سبستيان شبرينغر في جامعة جاكوبس، الذي قبله، رغم انتهاء مهلة تقديم الطلبات، وكان الأمر بمثابة “إنقاذ لحياته”. كما ساعده البروفيسور المشار إليه لاحقاً بعد الموافقة على دراسته في الجامعة على تجاوز عقبة أخرى تكمن في أن دراسته السابقة كانت مرتكزة إلى حد كبير على الجانب النظري، لذا كان يواجه صعوبة في إنجاز الأعمال المخبرية بمفرده، لعدم تدربه على ذلك جيداً سابقاً، وتوجب عليه بذل جهود مضاعفة ليصبح في مستوى زملائه.

 

لكن هاشم لم ينس أفضال جامعته عليه بعد تحقيقه النجاح فعاد صيف العام الماضي للقاء البروفيسور شبرنغر الذي ساعده، وقدم تبرعاً قدره ٥٠ ألف يورو، الذي قالت عنه الجامعة إنه أكبر تبرع فردي يقدمه متخرج لها عبر تاريخها. وسيستثمره البروفيسور شبرنغر في معدات تستخدم في أبحاث متقدمة في مجال مرض السرطان. وقال هاشم في كلمة له في الجامعة بهذه المناسبة إن المبلغ ليس كبيراً، لكنه يأمل أن يكون واحداً من تبرعات عدة سيقدمها.  وفي ضوء تجربته الناجحة والمساعدة التي غيرت مصيره من البروفسور شبرنغر، نصح هاشم عبر عربي بوست، الشباب العربي الذي مازال في مطلع مسيرتهم الدراسية بالاهتمام بميولهم الخاصة. وضرب المثل بما حصل معه، وكيف كان لديه خياران، إما الذهاب إلى الجامعة وإكمال الدراسة، في إشارة إلى الدكتوراه، أو العمل على نشر العلوم وتبسيطها، فاختار الخيار الثاني، وهو سر نجاحه، لأنه اختار ما يميل إليه. وقال إنه ينصحهم أيضاً بأن يحيطوا أنفسهم بأشخاص جادين قادرين على مساعدتهم، وتحقيق طموحاتهم.

 

بدأت هاشم مسيرته في إيصال المحتوى العلمي المبسط عبر نشر مواد علمية في البداية على حسابه الشخصي. وكان عدد متابعيه قليلاً مقارنة بما وصل إليه الآن، وكان يقوم بإغلاق وفتح حسابه بين الفينة والأخرى، عندما كان منشغلاً بدراسة الجامعة مثلاً. ثم قام بفتحه في عام ٢٠١٥ وحوله إلى عام، لأنه أراد الاطلاع على الإحصائيات والنظر إلى مكان تواجد جمهوره والمنشورات التي تنال إعجابهم، بحسب ما ذكر لعربي بوست. ثم ركز على إنتاج الفيديو، وبلغ عدد متابعيه في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٥، حوالي ٦٣ ألفاً، معتبراً أن ذلك الشهر شهد نقطة التحول بالنسبة له بإنتاج الفيديوهات.

 

 أما عن الفيديوهات التي حققت له الانتشار الكبير، فقال إنها ثلاثة فيديوهات، الأول عن الغوص في منطقة في إيسلندا تقع بين قارتي، أوروبا وأمريكا الشمالية، وحقق حينها ٨ ملايين مشاهدة (حالياً ٦٧ مليوناً). والثاني عن نظام أمن الطائرات، والثالث عن لمعان المياه في بعض الشواطىء عند الاحتكاك بها. وقال هاشم إنه كان يعمل وينتج وحده الفيديوهات حتى وصل عدد متابعيه إلى ٢٢ مليوناً، وإنه تعلم التصميم من برامج إنتاج مشاهد ثلاثية الأبعاد وحده أيضاً.

 

وعن أهمية عمله بالنسبة للباحثين، في تجسير الهوة بينهم وبين المتلقي العادي، قال إن الباحثين يرسلون له نتائج دراساتهم مسبقاً قبل نشرها في المجلات العلمية، كي يقوم باختيار المناسب منها وصنع فيديو عنه، كي تُنشر في نفس وقت نشر النتائج في النشرات العلمية. ورداً على استفسار من عربي بوست عن سبب توجهه في نشر المواد العلمية باللغة الإنجليزية، قال إنه يركز على اللغة الإنجليزية، لأن الاهتمام بالمحتوى العلمي ضئيل باللغة العربية، ومن ثم لا يحبذ بذل مجهود كبير وإنفاق تكلفة مادية كبيرة عليه. وذكر أنه تتم ترجمة بعض المواد التي ينتجها إلى لغات أخرى كالروسية أو الألمانية بالتعاون مع مترجمين، وبإمكان من يرغب في الترجمة التواصل معه.

 

وقال هاشم، المقيم في العاصمة برلين، أن لديه فريقاً مكوناً من ٤ أشخاص ويشرف على العمل بنفسه، وأن الأمر مكلف إذ يدفع هو لهم الأجور بنفسه، لذا إن قام بتوسعة عمله ليشمل لغات أخرى، سيتطلب الأمر الحصول على موارد أخرى، ليست متوافرة لديه حالياً. وأكد أن الاهتمام ازداد في الألفية الجديدة لدى الشباب العربي باللغة الإنجليزية، في إشارة إلى إمكانية متابعتهم ما ينتجه. وفيما إذا كان قد واجه مشكلة فيما يتعلق بالأحكام المسبقة من قبل الجمهور الغربي، بسبب أصله العربي، قال إنه تم تقبل محتواه ولم يصادف مثل هذه الإشكاليات لأن لديه درجة جامعية علمية، إلى جانب وضعه المراجع والمصادر البحثية أسفل فيديوهاته.

 

وعن كيفية تعامله مع المتصيدين والمشككين فيما يقدمه، قال لعربي بوست إنه يعتمد على خاصية الفلترة التي تتيحها فيسبوك، عبر وضعه كلمات معينة، ليتم استبعاد التعليقات التي تحتويها.  وقال إن ما يهمه دوماً هي التعليقات العشرة الأكثر تفاعلاً على المنشورات، لأنه من المستحيل بالنسبة له المرور على ٦٠ ألف تعليق مثلاً، وأنه في حال كتب أحدهم تعليقاً دون مصدر أو أعطى رأيه وكأنه حقيقة علمية، يقوم بحذفها». واستدرك قائلاً إنه ليست لديه مشكلة في التعليق برأي معاكس لما تم طرحه في الفيديو عندما يكون بطريقة محترمة، لأن ذلك يولد المزيد من النقاش، وأنه يقوم بحظر المواظبين على التعليق بطريقة غير محترمة على منشوراته.

 

وعن المناطق التي يأتي منها غالبية متابعيه، قال هاشم إنهم من أمريكا وأوروبا وآسيا، كما أن هناك متابعة كبيرة من المنطقة العربية خاصة من مصر والأردن، لكنها ضئيلة مقارنة ببقية دول العالم. وكان هاشم قد عمل سابقاً كمدير محتوى في شركة «فيوتشرسم ميديا» الأمريكية الإخبارية المتخصصة في التواصل العلمي، قبل أن يتوقف عن العمل معها، كي يركز على عمله في الصفحة. وكانت الشركة ترغب في انتقاله للعمل في لديها نيويورك في وقت سابق، لكن توقيت الانتقال تزامن مع حظر السفر الذي فرضته إدارة الرئيس دونالد ترامب على مواطني ٦ دول منها اليمن، فتم إلغاء خطة النقل تلك، وفقاً لهاشم.

 

ورغم أن لفيديوهات هاشم طابعاً تثقيفياً غالباً، لكن بعض مما نشره يؤثر على حياة البشر بشكل مباشر. إذ أشار إلى أن أحد أبرز الفيديوهات التي شعر بأنها كانت مؤثرة في حياة الناس هو ذلك الذي نشره في مايو/أيار عام ٢٠١٦، عن وعاء مصمم بطريقة يستطيع الناس في المناطق التي تعاني من شح المياه في إفريقيا مثلاً، نقل كميات أكبر من المياه عبر مسافات طويلة دون بذل مجهود كبير أو توتر، من خلال دحرجتها عوض حملها على رؤوسهم مثلاً.

 

    وكان هاشم قد نشر في التعليق الأول للفيديو الذي تمت مشاركته أكثر من نصف مليون مرة ومشاهدته ٤٥ مليون مرة، رابطاً للتبرع للجهة المصنعة. وذكر موقع جامعة “جاكوبس” التي تخرج منها، أن الشركة العاملة في المجال الخيري، في جنوب إفريقيا، شكرت هاشم، وقالت إنه ساعدها كثيراً، مادحة تأثير الفيديو الكبير الذي صنعه، والذي تسبب باستفادة مجتمعات أخرى كثيرة من هذه الأداة المسماة“هيبو رولر”. وقال إنه يأمل أيضاً في أن تؤثر فيديوهاته على فئة من الناس غير مؤمنة بأهمية اللقاحات، وأن يتعلموا أشياء جديدة عنها، ويحصنوا أولادهم من الأمراض.

 

 ويعمل هاشم الآن على إنتاج أول أفلامه الطويلة تحت مسمى “محاكاة/Simulation”.  وعن هذا الفيلم يقول هاشم إن الفيلم، الذي نشر فيديو ترويجي عنه، هو من كتابته وإخراجه وما زال قيد الإنتاج حالياً، ومن المفترض أن يكون جاهزاً في شهر يونيو/حزيران القادم. ويدور حول فرضية المحاكاة، ويجمع التسلية والخيال العلمي، ويضم ممثلين، موضحاً أنه اعتمد على نظريات، بعضها غير مثبتة، أراد أن يستخدمها في كتابة فيلم خيال علمي. وأضاف أن هذا الفيلم أول تجربة، وفي حال نجاحه سيقوم بإنتاج أفلام أخرى. وكشف هاشم في حديثه مع عربي بوست عن كتابته كتابه الأول باللغة الإنجليزية، واحتمال طباعته العام الحالي. ويضع هاشم ضمن خططه على المدى الطويل إنشاء مؤسسة “هاشم الغيلي” غير الربحية للتعليم والابتكار، تهدف لدعم مشاريع علمية في البلدان النامية ودعم طلاب محرومين، ليكون لديهم فرصة، في أن تمضي حياتهم على النحو الذي حصل معه، وملىء الفراغ بين صناع القرار والعلماء لاتخاذ قرارات عقلانية، وتطوير أساليب التعليم القديمة. 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)